سباق الوقت الضائع في العبور باقتصاد الأردن إلى بر الأمان
إذا كنا متفقين أن الإقتصاد الأردني بأمس الحاجة لاستراتيجية إصلاحية بعيدة المدى وطويلة ولكن واثقة ، فإن أبرز ما يفاجئك هو إصرار الحكومات على انتهاج ذات السياسة وذات المبادئ بعيدا عن خلق المناخ المنتج لإحياء الإقتصاد الذي يعاني أوضاعا خطيرة !.
وإذا كان من يطلق عليهم " الحرس القديم " أبطأوا عبر تحكمهم بالقرار من خلال تسنمهم مراكزه المختلفة ، كل الدعوات التي أطلقت للعبور بالبلاد نحو اقتصاد " الإنتاج " بدل اقتصاد الجباية ، فإن هؤلاء - أنفسهم - من باتوا يتباكون الآن على أوضاع البلد ، ويسكبون دموع التماسيح على العاطلين عن العمل والفقراء وجيوب الفقر .
أحد المسؤولين السابقين ، وعندما تقرر إنشاء مدينة إعلامية في منطقة العقبة الإقتصادية قبل حوالي عشر سنوات وتشريع قانون يسمح للجميع بالتواجد والبث من الأردن وقف كالصخرة الكأداء أمام هذا المشروع ، وإذ بنا نرى المشروع ذاته ينتقل إلى بلد عربي آخر ويسجل نجاحات منقطعة النظير ، وعلى ذات السياق ، أعلنت الحكومة السابقة عن إنشاء قناة تلفزيونية إخبارية شبه حكومية بمساحة حرية رأي جيدة ، ووضع لإدارتها نخبة من الصحفيين المحترفين وأصدرت قانونا بذلك أقره مجلس الأمة ، بل ووضع رواتب لهؤلاء منذ أكثر من سنة ، غير أننا لا زلنا نجهل سبب غياب هذه القناة ولماذا لم تر النور حتى الآن .
قد يستغرب البعض طرحي أمثلة " إعلامية " في شأن اقتصادي ، ولكن ما قلته عن القنوات والإعلام مثال على جزء بسيط مما يجري ، إذا أخذنا بالإعتبار أنه لا تنمية بدون حرية ولا اقتصاد بدون قضاء يحميه الإعلام عند الضرورة ، وعليه قس كافة القطاعات التي تخطر على بالك .
لا نعلم لغاية الآن ، ما هو البرنامج الجديد الذي سيوقعه الأردن مع صندوق النقد الدولي ، حيث يقول محافظ البنك المركزي إنه سيدعم النمو ويخفض الدين .
أي نمو ؟ وكيف سيخفض الدين ؟ إذا كنا سنعتمد في تنفيذ هذا البرنامج الذي سيستمر ثلاث سنوات على تضحيات جديدة للأردنيين دون أ ن نقنعهم بأن الذين سيشرفون على هذا البرنامج هم غير أولئك الذين أشرفوا على برامج سابقة رفعت الدين إلى 32 مليار دولار ( وفق آخر تقارير البنك المركزي ) .
يعلم الإقتصاديون ، بأن خفض نسبة الدين بالنسبة للناتج من 94 % إلى 77 % حتى عام 2021 أمر شبه مستحيل في ظل انتهاج نفس السياسات ، فإذا أردنا أن ينتشل القطاع الخاص اقتصاد البلد الذي وصل إلى هذا المنحدر الحاد ، فإنه مطلوب التسهيل عليه ودعمه بالأفعال وليس الأقوال ، فقوانين الإقتصاد تقول : إن القطاع الخاص هو الذي يحمل أثقال البلدان ويبني الأوطان ويفعل الأعاجيب ، في ظل القوانين " الوطنية " طبعا ، ولكن يجب أن تكون هذه القوانين مقنعة وموضوعية وعصرية من أجل الوصول إلى الهدف .
لقد لجأ الأردن إلى الإقتراض من الخارج ، ومن الداخل وسبق أن كان للملياري دولار التي أنجز اتفاقيتهما مع الصندوق قبل حوالي العام فضل في استقرار الإقتصاد خلال الفترة السابقة ، ويبدو أننا مقبلون على برنامج أشد وطأة .
باختصار : ستعود حليمة لعادتها القديمة : نقترض لندعم الإستقرار الإقتصادي ، وها نحن وصلنا إلى نسبة دين للناتج الإجمالي وصلت إلى " 94 % " ولكن شروط الصندوق معروفة عبر العالم ، وهي : فرض مزيد من الضرائب على الناس ، وترشيد الإنفاق ، وهي إصلاحات هيكلية لن تنجح بدون هيكلة الإنسان أولا ، لنصل إلى مرحلة الإنتاج الحر ، والذي بدونه سنكون مضطرين للقول : ألله يستر .
د. فطين البداد