الدستور بين حق الدولة الأردنية وحق المواطن
نظم الدستور الأردني طبيعة العلاقة بين الدولة ومواطنيها في كل مجالات هذه العلاقة ، ومنها بالطبع كفالة الدولة لـ " العمل " ، وهو محور حديثنا هنا .
وما من شك ، فإن حق العمل ، هو حق كفلته كافة الشرائع والأدبيات والمواثيق الدولية حيث إن هذا الإنسان الذي يدفع ضرائب ، ويقوم بواجباته تجاه الدولة ، أي دولة ، فإن من حقه البديهي أن توفر له الدولة ، أي دولة ، العمل والسلام الإجتماعي والإقتصادي له ولأسرته .
فقد قال البند الأول من المادة السادسة من الدستور المعدل ، دستور 2014 : " الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات " ومن ضمن الحقوق هنا : " العمل " .
وقالت المادة 23 في بندها الأول : " العمل حق لجميع المواطنين وعلى الدولة أن توفره للأردنيين " .
ولما كان الحديث الساخن خلال الأسبوع المنصرم ، هو العمل الإرهابي الجبان الذي أودى بكوكبة من شهداء الوطن ، وأصاب آخرين بجروح ، وتمت تغطيته رسميا وشعبيا وإعلاميا بما يليق بأبنائنا الذين نسأل الله تعالى تقبلهم في عليين ، فإن قضية أخرى برزت خلال الأيام السالفة وهي الإشتباكات التي وقعت بين قوات الدرك وبين مواطنين في مادبا ، ووصل الأمر ببعضهم إلى إطلاق النار على رجال الأمن ، بل وصل الأمر إلى حد محاولة البعض التعدي على منزل مدير الدرك وفق البيانات الرسمية وبعض الأنباء ، وكل ذلك بسبب : " العمل " أو هو على الأقل ، سبب الإعتصام في الخيمة التي فضها الأمن بالقوة قبل أن تتطور الأحداث .
وإذا كان من حق الأردنيين على الدولة أن توفر لهم عملا ، فإن مطالبة هؤلاء المواطنين بحقهم الدستوري : " العمل " ليس جريمة ، وليس خروجا عن القوانين ، ويفترض أن تعالج قضيتهم بروية وعقل واعتدال ، لأننا وبصراحة " مش ناقصنا " ولكن إطلاق النار على رجال الأمن والقيام بأعمال الحرق والشغب سلبت هؤلاء حقهم ، ووضعتهم في خانة المدان فبرزوا للرأي العام معتدين مشاغبين دمويين لا يعنيهم الأمن الوطني ولا المجتمعي ويقومون بأعمال خطرة في أوقات حساسة من عمر الأردن مع أن قضيتهم عادلة وحقهم مشروع .
وكما قلنا بداية هذه العجالة : فإن العمل حق مقدس بكل شرائع الأرض ، كما أن إطلاق النارعلى رجال الأمن ، إن وقع ، عمل خطير، ولكن : كيف توفر الدولة عملا لمواطنيها وهي في حالة اقتصادية صعبة وخطيرة ؟ .
لو عدنا إلى نص المادة الثالثة والثلاثين من الدستور ، في بندها الأول ، فسنجد النص التالي : " العمل حق لجميع المواطنين وعلى الدولة أن توفره للأردنيين بتوجيه الإقتصاد الوطني والنهوض به " .
وآخر خمس كلمات في النص المذكور هي " مربط الفرس " كما يقال : " توجيه الإقتصاد الوطني والنهوض به " .
وأتساءل كما تساءلت في مقالي السابق : كيف ستنهض الدولة بالإقتصاد وتوجهه في ظل هذه الصعوبات ؟ .
العالمون والعارفون يدركون بأن استمرار تعامل المؤسسات الدولية مع الأردن رغم ما في الإقتصاد من بلايا ورزايا ، يعود للدور الذي يضطلع به الأردن في القضايا العالمية ، وللإحترام الذي تحظى به القيادة الهاشمية ، ومن أجل ذلك ، فإن الدستور في واد ، وما تفعله الحكومات في واد ، ليس لأنها لا تنصاع لمواده ، بل لأنها لا تملك لنفسها ولغيرها رؤية ثاقبة للخروج من الأزمات ، ومن سياسات " الجباية " .
كما وأن على الأردنيين ، العاملين والعاطلين عن العمل أن يدركوا بأن الأردن يمر بظروف حساسة وخطيرة ، وإن على الجميع أن يصطف مع الوطن ، ولا نرغب في أن يفهم من كلامنا أننا ندعو المواطنين للتخلي عن حقوقهم الدستورية ، بل إننا نطلب منهم أن يراعوا صعوبات ومشاكل والتزامات البلد ، لكي نعبر بالسفينة إلى بر الأمان ، نحو مستقبل أفضل بإذن الله ، وهذا هو المؤمل لو أحسنت الحكومات إدارة الملفات وهجرت الإتكاء على جيوب الأردنيين الفارغة أصلا ، بتطبيقات جديدة وعصرية ذات جدوى ، لكي تتجنب الضغط على هذا المواطن ، فلا نرى اعتصام ذيبان يتكرر هنا وهناك وهنالك ، والقصة بحاجة إلى ذكاء وحسن سياسة وتدبير ، وليس : القنوة " فقط .
د. فطين البداد