الإنتخابات النيابية في الأردن
ينشغل الأردنيون هذه الأيام بالإنتخابات النيابية التي ستجرى في العشرين من أيلول القادم وفق قانون انتخاب متقدم ، يؤسس لمرحلة جديدة من مراحل الإصلاح السياسي في الأردن ، والذي سيفضي في النهاية إلى حكومات برلمانية ضمن برلمان عام ، يعضده برلمان مصغر في المحافظات في إطار اللامركزية .
شوارع عمان والمحافظات الأخرى ستعج بعد أيام بلافتات وصور المرشحين ، ومواقع التواصل الإجتماعي تسجل نشاطا تسخينيا لكثير من القوائم والمرشحين الذين بدأوا يغردون بشعاراتهم التي سئم أكثرها الناخبون ، وكالعادة ، فإن الدواوين والصالونات شرعت أبوابها في فترات المساء ، وبدأنا نشهد ليالي سمر افتقدتها عمان والمحافظات لسنوات ، يتخللها العشاء والمشروبات الساخنة والباردة وحسب طلب " الزبون " .
أغرب ما شاهده الأردنيون في أكثر من منطقة ، ووفق تغريداتهم وتعليقاتهم ، هو أن بعض المرشحين باتوا أيضا يشاركون الناس مناسباتهم المختلفة ، بل ويؤمون المساجد في صلاة الجمعة كمصلين ، كدلالة عن أنهم من الشعب وللشعب ، وهو ما أثار استهجان كثيرين أكدوا عبر تعليقات على النت بأن بعض هؤلاء لم يسبق لهم أن "سجدوا ركعة " وإذ بهم تقاة ورعين ، ومما قال أحد المتابعين على صفحته أن مرشحا من هؤلاء زعم أمام حشد من الناس أنه يحفظ القرآن على القراءات السبع .
كما وبدأنا نشاهد وثائق تنشر على الأنترنت : فهذا عميل للنظام السوري ، وسبق وأن طلب أموالا لأنه لا يجد ما يأكله ، وذلك قبض من فلان وعلان ، ولم يقف الأمر عند خصوم المرشح المتهم ، بل وصل إلى حد أن يتدخل سفراء دول عربية سابقون في أسماء القوائم وشخصياتها ويدخلوا في معارك مع أسماء تم اعتمادها .
في الديمقراطية كل شيء متوقع ، طالما أنه ما من أحد يتجاوز القانون ، وفي الديمقراطية يقال كل شيء ، ويفعل المرء كل أمر في إطار القانون ، ولكن ما هو المطلوب في ظل انتخابات يتوقع أن تكون ساخنة ؟ .
المطلوب ، وبلا أدنى تردد ، أن تظل المنافسات شريفة ، حقيقية ، خالية من اغتيال الشخصيات ، وإسقاطها ،ودفنها وأصحابها أحياء ، المطلوب وعيا مجتمعيا يبدو أنه غائب الآن عند الكثيرين ، بعد أن قرأنا عن قيام البعض بتمزيق صور في بعض الأماكن رغم أن نشر الصور لا زال ضئيلا ولا يكاد يذكر ، غير أن الذي يعزي النفس هو أن طبقة الشباب الآن باتت أوعى ممن سبق ، كما وأن المرأة التي كانت تحجم عن الإنتخاب ، أو يتم توجيهها وفق رأي الأب أو الأخ باتت أكثر ذكاء ووعيا بدورها الأساسي والسياسي في رسم المستقبل ،ونتحدث هنا عن تطور إلى الأمام وإن لم يكن بخطوات واسعة .
ولأن محور هذه المقالة هو الإنتخبات ، فأرغب أن أعرج على قضية أعتقد أنها مهمة ، إذ منعت هيئة الإنتخابات تكرار أسماء القوائم ، وتم استدعاء القائمين عليها لتغييرها ، ويكون الأمر مفهوما لو أن التكرار تم في نفس الدائرة ، أما وقد تكررت الأسماء في دوائر مختلفة فلا حرج من ذلك ، لأننا لا نتحدث هنا عن ماركة تجارية بل عن اسم قائمة قد يكون من طلب منهم تغييرها عملوا عليها ليالي وأياما وعرفوا بها ، وهو ما انتقده مركز راصد أيضا .
وللتذكير : فقد اعتمد كما هو معروف 230 قائمة ترشح فيها 1290 شخصا ، وهي أرقام طيبة تؤكد بأن الإقبال على الإنتخابات يسير بخطا واثقة .
يكفينا فخرا في الأردن أننا نجري انتخابات وسط محيط يحترق ، وهذه نعمة من نعم الله على الأردنيين الذين يقودهم ملك طموح ، واثق بنفسه وبشعبه ، ومن أجل كل ذلك ، سارعوا إلى صناديق الإقتراع وانتخبوا بضمائركم ، فالصوت أمانة .
ولأن العشرات من النواب السابقين أعادوا الكرة في هذه الإنتخابات ، انتخابات البرلمان الثامن عشر ، فإن على الأردنيين أن لا يكونوا مثقوبي الذاكرة ، ويحكموا على كل نائب سابق ذي تجربة ، من تجاربه التي عايشها الناس ، فإن أحسن كان به ، وإن أساء وسعى مع العشرات لفرض قوانين ترفع الضرائب وقوانين تسمح بتقاعد النواب وغير ذلك من مصائب فعاقبوه ولا تنتخبوه ، هكذا تقول الشعوب عندما تحاكم المتخاذلين والباحثين عن المصالح الشخصية بعيدا عن مصالح الناس ، وهمومهم وأوجاعهم .
الصوت أمانة وطنية ، ومنح من لا يستحق شرف الوصول إلى البرلمان خيانة وعدم انتماء واستهتار بالشعب وبالوطن .
حكموا ضمائركم وانتخبوا ذوي البرامج الوطنية التي تخرج بلدنا من مصاعبه الكثيرة ، وحذار حذار من أن يستهتر أي منكم بصوته ، فإذا لم يحاسب عن سوء اختياره الآن ، فسوف يسأل عن ذلك حين لا ينفع مال ولا بنون ، إلا من أتى الله بقلب سليم .
اللهم إني قد بلغت ، اللهم فاشهد .
د. فطين البداد