ريما خلف .. لماذا استقالت ؟
ليس هناك من قضية سياسية تتعلق بالأمم المتحدة تعدل قضية الدكتورة الأردنية ريما خلف الأمينة العامة لمنظمة الأسكوا الدولية ، والتي قدمت استقالتها الجمعة بعد أن رفضت سحب تقرير أصدرته المنظمة يعتبر إسرائيل نظام فصل عنصريا : أبارتايد " حيث تعرضت لضغوط هائلة من أجل سحب التقرير ولكنها لم تفعل وآثرت تقديم استقالتها للأمين العام للأمم المتحدة وهي رافعة الراس قوية مؤمنة بقضية العدالة الإنسانية الغائبة في ظل تكالب الأقوياء على شعب سرقت أرضه منذ سبعين عاما ويعيش الآن في المنافي والمخيمات .
لا أريد أن أحلل أو أعقب أو أقول شيئا ، إذ تكفي استقالة الدكتورة خلف لتضع النقاط على الحروف في كيفية هيمنة إسرائيل على الأمم المتحدة وعلى الأمين العام ..
تاليا اقتباس لنص استقالة امرأة مبدئية صنفتها صحيفة فايننشال تايمز كإحدى أقوى 50 امرأة أثرت في مجريات القرن الماضي .. وهي استقالة - بلا شك - ستدخل التاريخ من أوسع أبوابه :
حضرة الأمين العام
لقد فكرت مليا في الرسالة التي بعثتها لي من خلال مديرة ديوانك. وأؤكد أنني لم أشكك للحظة في حقك بإصدار تعليماتك بسحب التقرير من موقع الإسكوا الالكتروني، كما لم أشكك في أن علينا جميعا كموظفين لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة أن ننفذ تعليمات أمينها العام. وأنا أعرف على وجه اليقين التزامك مبادئ حقوق الإنسان عامة، وموقفك بخاصة إزاء حقوق الشعب الفلسطيني. وأنا أتفهم كذلك القلق الذي ينتابك بسبب هذه الأيام الصعبة والتي لا تترك لك خيارات كثيرة".
وأضافت: "ليس خافيا علي ما تتعرض له الأمم المتحدة، وما تتعرض له أنت شخصيا، من ضغوط وتهديدات على يد دول من ذوات السطوة والنفوذ، بسبب إصدار تقرير الإسكوا (الممارسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني ومسألة الأبارتايد). وأنا لا أستغرب أن تلجأ هذه الدول، التي تديرها اليوم حكومات قليلة الاكتراث بالقيم الدولية وحقوق الإنسان، إلى أساليب التخويف والتهديد حين تعجز عن الدفاع عن سياساتها وممارساتها المنتهكة للقانون. وبديهي أن يهاجم المجرم من يدافعون عن قضايا ضحاياه. لكنني أجد نفسي غير قابلة للخضوع إلى هذه الضغوط".
وتابعت ريما خلف "ليس بصفتي موظفة دولية، بل بصفتي إنسانا سويا فحسب، أؤمن - شأني في ذلك شأنك - بالقيم والمبادئ الإنسانية السامية التي طالما شكلت قوى الخير في التاريخ، والتي اسست عليها منظمتنا هذه، الأمم المتحدة. وأؤمن مثلك أيضا بأن التمييز ضد أي إنسان على أساس الدين أو لون البشرة أو الجنس أو العرق أمر غير مقبول، ولا يمكن أن يصبح مقبولا بفعل الحسابات السياسية أو سلطان القوة. وأؤمن أن قول كلمة الحق في وجه جائر متسلط، ليس حقا للناس فحسب، بل هو واجب عليهم".
" في فترة لا تتجاوز الشهرين، وجهت لي تعليمات بسحب تقريرين أصدرتهما الإسكوا، لا لشوائب تعيب المضمون ولا بالضرورة لأنك تختلف مع هذا المضمون، بل بسبب الضغوط السياسية لدول مسؤولة عن انتهاكات صارخة لحقوق شعوب المنطقة ولحقوق الإنسان عموما. ولقد رأيت رؤية العين كيف أن أهل هذه المنطقة يمرون بمرحلة من المعاناة والألم غير مسبوقة في تاريخهم الحديث، وإن طوفان الكوارث الذي يعمهم اليوم لم يكن إلا نتيجة لسيل من المظالم، تم التغاضي عنها، أو التغطية عليها، أو المساهمة المعلنة فيها من حكومات ذات هيمنة وتجبر، من المنطقة ومن خارجها. إن هذه الحكومات ذاتها هي التي تضغط عليك اليوم لتكتم صوت الحق والدعوة للعدل الماثلة في هذا التقرير. واضعة في الاعتبار كل ما سبق، لا يسعني إلا أن أؤكد على إصراري على استنتاجات تقرير الإسكوا القائلة بأن إسرائيل قد أسست نظام فصل عنصري، أبارتايد، يهدف إلى تسلط جماعة عرقية على أخرى".
"إن الأدلة التي يقدمها التقرير قاطعة، وتكفيني هنا الإشارة إلى أن أيا ممن هاجموا التقرير لم يمسوا محتواه بكلمة واحدة. وإني أرى واجبي أن أسلط الضوء على الحقيقة لا أن أتستر عليها وأكتم الشهادة والدليل. والحقيقة المؤلمة هي أن نظام فصل عنصري، أبارتايد، ما زال قائما في القرن الحادي وعشرين، وهذا أمر لا يمكن قبوله في أي قانون، ولا أن يبرر أخلاقيا بأي شكل من الأشكال. وإنني في قولي هذا لا أدعي لنفسي أخلاقا أسمى من أخلاقك أو نظرا أثقب من نظرك، غاية الأمر أن موقفي هذا قد يكون نتيجة لعمر كامل قضيته هنا، في هذه المنطقة، شاهدة على العواقب الوخيمة لكبت الناس ومنعهم من التعبير عن مظالمهم بالوسائل السلمية".
"عليه، وبعد إمعان النظر في الأمر، أدركت أنني أنا أيضا لا خيار لي. أنا لا أستطيع أن أسحب، مرة أخرى، تقريرا للأمم المتحدة، ممتاز البحث والتوثيقِ، عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. غير أنني أدرك أيضا، أن التعليمات الواضحة للأمين العام للأمم المتحدة لا بد من أن تنفذ. ولذلك، فإن هذه العقدة لا تحل إلا بأن أتنحى جانبا وأترك لغيري أن يقوم بما يمنعني ضميري من القيام به. وإنني أدرك أنه لم يبق لي في الخدمة غير أسبوعين، لذلك فاستقالتي هذه لا تهدف إلى الضغط السياسي عليك. إنما أستقيل، ببساطة، لأنني أرى أن واجبي تجاه الشعوب التي نعمل لها، وتجاه الأمم المتحدة، وتجاه نفسي، ألا أكتم شهادة حق عن جريمة ماثلة تسبب كل هذه المعاناة لكل هذه الأعداد من البشر. وبناء عليه، أقدم إليك استقالتي من الأمم المتحدة".
للتذكير : خلف شغلت موقع نائب لرئيس الوزراء ووزيرة للتخطيط ووزيرة للصناعة والتجارة وغيرها ، وتعتبر أنموذجا للمرأة المكافحة المؤمنة بمبادئها وقيمها الإنسانية العالية .
حصلت على البكالوريوس في الاقتصاد من الجامعة الأمريكية في بيروت وعلى الماجستير والدكتوراه في علم الأنظمة من جامعة بورتلند الرسمية في الولايات المتحدة الأمريكية ولها عشرات المحاضرات عبر العالم .
د.فطين البداد