الراقصة والسكران وقانون الجرائم الألكترونية في الأردن
ما أن بدأ الإعلام الأردني بمختلف وجوهه الأسبوع الماضي ينشر قضايا تتعلق بشبهات فساد مختلفة ، منها من مشى صاحبها على الماء ، ومنها من طار في الهواء ، أو ابتلع الكهرباء ، حتى بدأت الحملات المضادة تتوجه ضد هذا الإعلام ليلوذ مكرها بصمت القبور .
فإذا كان قانون الجرائم الألكترونية تم سنه - ظاهريا - للحد مما كان يقع في الأردن من استغلال وابتزاز لمستثمرين ورجال أعمال وسياسيين ، وهذا سبب من عدة أسباب أكبر ، وكنت - بالمناسبة - أحد الذين كتبوا وطالبوا أكثر من مرة بسنه - : إذا كان ذلك كذلك ، فإن الأمر انقلب لضده ، أي أن بعض السياسيين ، وأتحدث هنا بشكل عام وليس عن شخص بعينه ، باتوا يتمترسون خلف هذا القانون ضد الإعلام ، لدرجة أصبح فيها أي رئيس تحرير يحجم عن نشر أي قضية حتى لو كان لديه بشأنها وثائق دامغة ، ولدرجة بات اللجوء للقضايا الإجتماعية والمنوعة أمرا لا مفر منه في سياق الإستمرار مع القراء ولو بطرق شيطانية ، ولسوف لن يجد الصحفيون الأردنيون ما ينشرونه نهاية المطاف إلا الإكتشافات العلمية والتكنولوجية ، أو النشاطات الرسمية التي يغطيها الناطقون الإعلاميون في الوزارات والمؤسسات وما تنشره وكالة بترا :
سمعنا عن راقصة اشتكت على وسيلة إعلامية بتهمة القدح والذم ونشر صورة بدون إذن ، مع أن الصورة المذكورة منشورة على الأنترنت ، وسمعنا عن شخص تم تصويره سكرانا على جسر في عمان يشتكي على إحدى الصحف لأنها نشرت الخبر مع أن الصورة كانت مظللة ولا يعرف عاليها من سافلها ، وسمعنا عن خادمة فلبينية اشتكت على وسيلة إعلامية بدعوى أنها تضررت من تقرير تحدث عن سوء معاملة الخادمات لأسيادهن ودوام فرارهن ، رغم أنه لم يشملها شخصيا التقرير ، وعن ملياردير اشتكى على موقع ألكتروني بدعوى أن الموقع المذكور ضرب أسهم إحدى شركاته ، هذه كلها وغيرها لا زالت شائعات ولم أتحقق منها ، وسواء أكانت صحيحة أم لا ، فإن مجرد تداولها أو الحديث فيها يكشف بأن الجو الإعلامي العام في الأردن لم يعد مستساغا ولا ملائما للقيام بعمل محترف ورصين بل وحتى استقصائي ، لأن الأعمال الإستقصائية كذلك يشملها قانون الجرائم الألكترونية وقانون المطبوعات والنشر ، ونظرة سريعة إلى مقالات الكتاب أو تقارير الصحف اليومية والمواقع تنبئك بما وصل إليه الحال ، حيث لن تجد صحيفة أو موقعا ينشر قضية صحفية دسمة ، أللهم سوى قضايا الجرائم وتقارير الحوادث التي يبثها المكتب الإعلامي في كل من الأمن العام والدفاع المدني .
ومع إقرارنا الذي لا شك فيه أبدا بعدالة القضاء الأردني المشهود له بالنزاهة والذي سيحكم في النهاية لصالح الحق على حساب الباطل ، والذي لن يكيف - بداية كل دعوى - أي قضية إلا بعد استكمال شروط إحالتها ، إلا أن الأمر يصبح مزعجا ومنفرا حين ترى شخصا - أي شخص ، بسبب وبدون سبب - يتقدم بشكاو ضد الإعلاميين الأردنيين ووسائلهم الإعلامية ، حيث أخبرني صديق دردشت معه بشكل عرضي هاتفيا ، بأن القضايا التي تنظرها المحاكم كثيرة جدا ومكدسة وتتمحور حول ما ذكرنا آنفا ، حتى أن أحد القضاة - كما قال - استمر في النظر بالقضايا التي شملت أغلب وسائل الإعلام من صحف ومواقع ألكترونية ومواقع تواصل اجتماعي وغيره وهو شبه مريض ( مصاب بالزكام ) ومن هنا ، فإن قانون الجرائم الألكترونية بات سيفا مصلتا على رقاب الصحفيين والأعلاميين ، ومتعبا للقضاة ، مما يثير الحنق والسخط على من أقر هذا القانون قبل التنسيب به لجلالة الملك ، وبالمناسبة ، فإن الذي يعود لتصريحات جلالته بهذا الشأن ،يجد بأنه لم يطلب التضييق على الإعلام ، بل أمر بضبطه ضمن القانون والدستور ، ولكن الذي حدث أن بعض المشرعين قرأوا الرسالة بالغلط.
كيف ستلاحق الصحافة الفاسدين والمرتشين وأشباههم ممن تحوطهم شبهات حولتها مكافحة الفساد أو الحكومة أو الوزارات ، وهي ممنوعة من الخوض فيها حتى قبل إحالتها تحت طائلة المسؤولية وقانون الجرائم الألكترونية وقانون المطبوعات والنشر وغيرها .
ألا يبدو الأمر وكأنه حراثة في البحر؟.
لقد سن قانون الجرائم الألكترونية ، في أحد أهدافه - وهي كثيرة كما قلنا - لمحاربة المرتشين والمبتزين من الإعلاميين وهم قلة من خارج النقابة أصلا ، ليتحول - مع التطبيق- إلى أكبر حام للمتهمين بشبهات الفساد وابتلاع المال العام .
أيهما أخطر يا رعاكم الله ؟؟ .
د.فطين البداد