عن الطبقة الوسطى والفئة المنسية ورفع الخبز في الأردن
إعلان الحكومة التي أصاخت لأمر جلالة الملك الإبتعاد عن الطبقة الوسطى في سياستها الضريبية ، أمر أثلج صدور هذه الفئة ، وفي نفس الوقت ألهب صدور الفقراء .
ما هو البديل إذن في التعديل الضريبي القادم والذي لا بد منه وفق تفاهمات مع الصندوق ؟؟ .
إنه " البحث في الدفاتر القديمة " أي أن يتم التركيز على التهرب الضريبي ، بحيث يتم تعديل القانون لهذا السبب وبعقوبات مغلظة ، وتحصيل أموال إضافية وبأي سبب :
نشرت المدينة نيوز قبل ايام قصة فتاة أردنية فوجئت بحجز حسابها لدى أحد البنوك بسبب أن والدها مدين بمبلغ 800 دينار لشريك له تم فض شراكته معه ، ولتفاجأ بأن البنك حجز حسابها وحساب والدتها وشقيقتها وشقيقها ، مع أنه لا علاقة لهم بهذا الدين ، هكذا بدون إذن ولا قرار قضائي ، حيث تم الحجز ، كما قالت وفق قرارات تلقاها البنك من دائرة الضريبة .
وأيضا هناك شكاوى من حجز أموال منقولة وغير منقولة تقوم بها دائرة تحصيل الأموال الحكومية ، بحيث يفاجأ أي مواطن بأنه مطلوب عبر الحاسوب ، لأن هذه الدائرة عممت عليه كما يقال ، وقد يكون التعميم بسبب طوابع لا تتعدى بضعة دنانير ، ليبدأ المواطن رحلة فك حجز أمواله أو أرضه أو سيارته من خلال كتب موجهة من هذه المديرية إلى المحافظ أو دائرة السير أو البلدية وغيرها ، ومن ثم يتم فك هذا الحجز المفاجئ وغير القانوني بعد رحلات سندبادية .
هل هذه طريقة لتحصيل الأموال ، وهل ينطبق ما سردناه مع تعريف التهرب الضريبي ؟.
ولأن رفع الدعم عن المواد الأساسية ومنها الخبز بات مسألة وقت فإن هناك دراسات تبحث عن طريقة للتعويض : إما من خلال إضافة الفرق على الرواتب أو من خلال البطاقة أو بدائل أخرى لم يعلن عنها للآن .
لقد تحدث كثير من المعنيين ، والنواب وكتلهم المختلفة أثناء اجتماعاتهم المغلقة مع الحكومة عن هذه القضية وعلى الأخص " الضريبة " وأيضا أعلنوا " تفهمهم " للمصاعب التي تعاني منها الموازنة ، وشددوا على أن الموظفين في الدولة خط أحمر ، فجرى الحديث - مجددا - عن رفع الدعم عن الخبز والسلع الأخرى ورفع ضريبة المبيعات ، مع تعويض الموظفين هؤلاء بطريقة ما .
الغريب في الأمر أن الجميع يتحدث عن الموظفين وكأن جميع هؤلاء هم الطبقة الوسطى ، دون الإلتفات للرواتب وتفاوتها وقدرتها الشرائية ، بل إنني أكاد أجزم بأن تعريف البعض لهذه الطبقة يجعل عظام ماكس فيبر الذي دفن منذ قرن تتحرك في قبره ، وأيا كان الأمر ، فإننا لم نسمع أحدا يتحدث عن غير الموظفين من العاملين في القطاعات المختلفة سواء في الكاراجات أو الورش أو العمال أو العاطلين عن العمل الذين يشكلون نسبة لا بأس بها من المجتمع الأردني ، أو الخريجين الذين يتكدس منهم كل عام 60 ألفا في انتظار أي فرصة : هل نعوض الموظفين في كل مواقعهم ، كما طالب النواب ، وننسى العاطلين عن العمل الذين " تفرق " معهم العشرة قروش ، والذين لا دخول لهم ، أما إذا قال قائل بأن هؤلاء سيشملهم الدعم ، فإن تجربة دعم المحروقات سيئة الصيت لا زالت ملء الأذهان والذاكرة .
وللحق ، فإنه ليس أمام الأردن سوى الإستجابة لشروط صندوق النقد الذي دخلنا معه في برنامج بات يعرفه القاصي والداني لتعويض قيمة العجز للعام 2017 والتي تصل إلى مليار دينار ، ولكن حق الفقراء والعمال والقطاع غير المنظم وأرباب الأعمال الحرة الراكدة في الأغلب في رقبة الحكومة ومن سيوقع على قرار رفع الدعم ، وعلى متخذ القرار أن لا يفطن فقط للموظفين الذين لا تكفيهم أصلا رواتبهم ، بل عليه أن يأخذ هذه الفئة المنسية بالحسبان .
وكما قال ابن خلدون ، فإن العدل أساس الملك .
د.فطين البداد