قانون للمسؤولية الطبية في الأردن .. حقيقة أم خيال ؟

منذ سنوات والقطاع الطبي في الأردن يعمل بدون قانون يحدد المسؤولية الطبية ، بحيث بات هذا القطاع ، ونحن لا نعمم هنا ، يتغول على الجميع ليس بدءا من المواطن المريض ولا انتهاء بالمريض العربي والأجنبي الذي يؤم الأردن بحثا عن علاج ناجع ، لما يتمتع به الطب الأردني من سمعة عالمية .

ولأن هذا القطاع ، أو ما اصطلح عليه " السياحة العلاجية " تدر مئات ملايين الدولارات سنويا تصل إلى حوالي مليار ونصف المليار ، فإنه بات لزاما أن يسن مثل هذا القانون الذي يحمي المريض ويحمي الطبيب على حد سواء ، ذلك أن التقارير النهائية العلمية هي التي تحدد مسؤولية أي خطأ طبي ، بدون شكوك ولا اتهامات .

لقد شرع مجلس النواب في مناقشة مشروع قانون المسؤولية الطبية الذي سبق ودعونا إليه من على هذا المنبر منذ سنوات ، حيث أفضت الجلستان الأوليان إلى إقرار النواب مادة تنص على تشكيل لجنة تسمى " لجنة المعايير الطبية والصحية " وهذه اللجنة مشكلة من أمين عام وزارة الصحة وممثل عن الخدمات الطبية وأمين عام المجلس الطبي الأردني وممثل عن جمعية المستشفيات الخاصة والمستشفيات الجامعية الرسمية ونقيب الأطباء ونقيب الأسنان ونقيب الصيادلة ونقيب الممرضين .. أي أن هناك ستة ممثلين عن القطاع الطبي المستقل وشبه المستقل بينما هناك ثلاثة ممثلين عن الوزارة والقطاع الرسمي ، وهنا نسأل : هل هذه النسبة عادلة ؟ .

يقال بهذا الصدد : أن تشكيل هذه اللجنة ، لا يختلف عن مشروع القانون السابق الذي وضع في الأدراج منذ سنوات وكان يعتبر أن نقابة الأطباء هي الجهة المخولة في النظر بالشكاوى وخلافها ، مما اثار ضجة حينها دخل عليها الجميع بمن فيها جمعية حماية المستهلك ، وقد انتهت الضجة بوضع المشروع في الأدراج إلى أن أخرج ديوان التشريع التابع لرئاسة الوزراء مشروع هذا القانون الذي نحن بصدده .

إنه لأمر طيب أن يبدأ مجلس النواب بمناقشة مشروع القانون ، وأن يرفضوا تعريف اللجنة الصحية لمعنى " الخطأ الطبي " ويعتمدوا ما جاء بمشروع القانون لكونه أشمل وأكثر تحديدا ووضوحا ، ولكن ما نخشاه ، أن يتم إقرار مشروع القانون نيابيا ، ليتم تعطيله بطريقة ما ، فيعود المشروع إلى الظل من جديد ولسنوات طوال .

بل إن أولى علامات فشل إقرار القانون بدأت بإعلان نقابة الأطباء عن عزمها القيام باعتصام لإحباط بعضه ، ولقد سمعنا عن اتصالات بين رئيس اللجنة الصحية وبين نقيب الأطباء انتهت بوعد من رئيس اللجنة العودة إلى التفسير الأول لمعنى الخطأ الطبي ، وهو التفسير الذي تفضله النقابة ويرفضه النواب ، وهو ما يشير وبقوة ، إلى أن إقرار قانون للمسؤولية الطبية في الأردن لا زال أمرا بعيد المنال .

إننا لا نريد أن نظلم القطاع الطبي الأردني الذي نفاخر به الدنيا فعلا ، ولكننا لا نريد لهذا القطاع أن يشكل دولة داخل دولة ، وأن يكون هو الخصم وهو الحكم في حالة وجود أخطاء طبية ستنسف سمعة هذا القطاع ومستقبله ، ومن أجل ذلك ، فإن على القطاع الطبي أن لا يشغل قواه الخفية لإحباط مثل هكذا قانون ، وبالتالي تكون براقش قد جنت على نفسها : إذ سنخسر سمعتنا الطبية ، وثانيا : تلك المليارات التي تتدفق على الدولة وعلى القطاع مما سيضرب الإقتصاد الوطني .

المطلوب قليل من الحكمة ، فنحن بأمس الحاجة لمثل هكذا قانون ، ولا نريد أن نصدق تعليقا لوزير صحة سابق قال فيه : إن إدخال جَمَل في ثقب إبرة أسهل في الأردن من إقرار قانون للمسؤولية الطبية .***

د.فطين البداد