الخوف على أموال الضمان .. حقيقي أم مصطنع ؟
كانت الأيام القليلة الماضية حافلة بالحديث عن الضمان وأموال الضمان وصندوق استثمار الضمان .
نُشرت كثير من التقارير حول ذلك ولم يشف أي منها صدور الأردنيين الذين يعتبر الضمان هو مستقبلهم ومستقبل أبنائهم .
في البداية طارت أنباء عن استقالة مدير الضمان السيدة نادية الروابدة ، أعقبها نفي من الروابدة نفسها وتأكيدها أنها باقية بقاء النخل في يثرب ، وفي نفس الوقت تقريبا نشط نواب في بث أسئلتهم التي وجهوها للحكومة بشأن الضمان بعد أن راجت أنباء عن أن الحكومة "عينها عليه " كما يقال ، فكثرت القراءات والمقالات والتقارير ، ومؤخرا أطلت وزيرة التخطيط السابقة السيدة سهير العلي ، مديرة صندوق استثمار الضمان لتؤكد بأن أموال الصندوق في أيد أمينة وأن عملية الموافقة على المشاريع أو خلافها تتم من خلال لجان في الصندوق ومجالس وإدارات مخاطر وخلافها وليس بشكل فردي ، في رد كما يبدو على اتهامات بتفردها وطاقم إدارة الصندوق بالشأن المالي استنادا لفتاوى مختلفة سواء من ديوان التشريع الذي قضى بأن الصندوق حر ولا سلطة لإدارة الضمان عليه ، أو انطلاقا من صلاحيات الصندوق نفسه وفق تصورها ، بينما نرى بأن ديوان تفسير القوانين قال بعكس ذلك مشترطا موافقة إدارة الضمان على أي عملية تصرف من قبل الصندوق بالأموال ، مع وجود فتوى ثالثة تناقض السابقة ، وهو ما يؤكد بأن القصة " طاسة وضايعة " كما يقول المثل .
إن مبلغ 9 مليار دينار ، ونصف المليار ، وهي موجودات الضمان جديرة بأن تكون تحت المجهر في كل وقت ، ولكن " تربيط " عمل الصندوق برقابة مجلس إدارة الضمان ( لا أقصد المجلس الحالي بعينه ) يفتح الباب أمام عشرات الأسئلة التي يجب الإجابة عليها ، وأبرزها تلك المشاريع الفاشلة التي شارك بها الضمان وبمبالغ تصل لمئات الملايين وفق بعض المصادر .
ولأن الشيء بالشيء يذكر ، فإننا نستذكر هنا قانون البنك المركزي الذي حصن البنك من أي تدخل حكومي ، ولولا هذا القانون الذي صدر في العام 2016 لرأينا بلاوي الحكومات تنصب على البنك في كل يوم وكل حين ، ولعل القرض الشهير الذي منحه البنك للحكومة في العام 1989 إبان الأزمة المالية المشهودة خير مثال على أن الحكومات إذا استلفت فإنها لا تسد دينها بدليل القرض المذكور الذي لم يغلق للآن ، وإذا وضعت يدها في أي صندوق فإنها لا بد ستفلسه ، ولقد أحسن المشرع صنعا عندما منع الحكومة - بالقانون وبالقلم العريض - من الإقتراب من أموال البنك وقراراته ، ولعل هذا سبب من عدة أسباب في استقرار الدينار الأردني رغم كل الصعوبات التي يعانيها الإقتصاد .
ويتجاهل الداعون لتقييد عمل صندوق الإستثمار أن هناك منظومة كاملة من الأنظمة والتشريعات والرقابة يخضع لها الصندوق بما فيها ديوان المحاسبة ، ويتناسون بأن مجلس إدارة الضمان هو الذي يقر السياسات الإستثمارية وهو الذي يوافق على خطط الإستثمار ، وهناك في الصندوق لجان مثل الحاكمية وإدارة المخاطر وهي لجان تراقب أصلا الصندوق والمؤسسة عموما ، كما وأن هناك مجلسا للإستثمار وهو الذي يرفع الخطط الإستثمارية لمجلس إدارة الضمان ، وهذا المجلس يتفرع عنه ثلاث لجان هي لجنة الحوكمة ولجنة التدقيق ولجنة المخاطر ، وهي لجان داخلية في الصندوق تراقب أعمال إدارة الصندوق غير الممثلة أصلا في أي من هذه اللجان .. وهناك نظام لوازم ونظام أشغال ونظام مالي ، فإذا أراد الصندوق أن يتعامل مع مشروع ما أو أي فرصة استثمارية ، فإن الدائرة المختصة بالإستثمار تقوم بدراسة هذا المشروع ، وبعد ذلك يرفع الأمر للجنة الإستثمار الداخلية ، وبعد ذلك يتم التنسيب بالمشروع لمجلس الإستثمار وهذا تسلسل منظم بتشريعات قاطعة ومحددة .
ليس هذا فقط ، بل إن أي مشروع ينفذه الصندوق وأي حركة وسكنة فيه تخضع للتدقيق الداخلي أولا ومن ثم الخارجي وبعد ذلك يرسل التقرير إلى لجنة التدقيق ، ومن ثم إلى لجنة المراقبة وبعد ذلك توضع أمام مجلس الإستثمار ومن ثم مجلس الإدارة ، وكما قلنا فإن كل هذه الحركات تخضع جميعها لرقابة ديوان المحاسبة .
وإذا قال قائل : لماذا لم يجر كل ذلك على المشاريع الفاشلة التي قام بها الصندوق فإن الإجابة لن تكون بعيدة عن قرض المركزي إياه وتدخل الحكومات بجهل أو بعلم في أعماله .
دعوا الصندوق يعمل ، وحذار أن تتدخلوا في قراراته وبيعه وشرائه واستثماره ، وإلا فإنكم مطالبون بالإجابة عن السؤال الكبير : من اتخذ قرارات الإستثمارات الفاشلة إياها ، أم تريدون أن تعودوا لسيرتكم الأولى ؟؟ .
د.فطين البداد