لماذا يكره الأردني فاتورة الكهرباء ؟
عندما يقول 70% من الأردنيين بأن أوضاعهم الآن أسوأ منها قبل عام ، فإن ذلك ليس مفاجئا ، وذلك لما أضافته القرارات الحكومية الأخيرة هذا العام من أثقال على كواهل الناس وعواتقهم وليس وقف دعم الخبز والضرائب المعروفة والضرائب المضافة غير المرئية التي لا تعترف بوجودها الحكومة سوى أمثلة صارخة ناهيك عن المبالغ المقطوعة : " الأردني يدفع 9 دنانير شهريا على فاتورة المياه حتى لو لم يستهلك قطرة واحدة وهو مبلغ يسمى " مقطوع " في عرف الجباية الحكومية بالغة السوء وعليه قس مبالغ أخرى "..
قلنا : إن هذا ليس مفاجئا لأنه معروف ومحسوم بداهة ، إلا أن المفاجأة في الإستطلاع الذي أجراه مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية ونشر الخميس ، هو اعتبار أغلبية الأردنيين بأن همهم الأول هو فاتورة الكهرباء .
إلى هذه الدرجة وصل الأمر عند الناس ، حيث باتت إضاءة المنزل وكافة استخدامات الطاقة هي الهم الأكبر بعد أن توزعت باقي النسب على مختلف الإهتمامات لتحتل الكهرباء المركز الأول .
لماذا باعتقادكم تفوقت الكهرباء على الخبز ؟؟
بإمكان الأردنيين ، والفقراء بالذات أن " يدبروا " أمرهم ، كما يقال ، إن تعلق الأمر برغيف الخبز ، حيث بالإمكان " تغميسه " مع قلاية بندورة بدون لحم ، أو علبة سردين " أو حبات فلافل ، دون أن ننسى بأن الحكومة - مشكورة - والتي استثنت التونة والسردين والبيلوبيف من الرفع ليأكل الأردنيون بروتين عادت عن وعودها وفق ما نشر " ( حيث سبق وقال رئيس الحكومة : أنا بعرف شو يعني سردين وشو يعني طن وبيلوبيف بالنسبة للمواطن - الفيديو على اليوتيوب ) .. ، كما وإن الأردنيين من أكثر الشعوب العربية تكافلا حيث " يزرق " الأب لابنه ، والإبن لأبيه ، والبنت لأمها وبالعكس وهكذا لكي تدور عجلة الحياة بسلاسة ، أما الكهرباء فمن المستحيل " تزريقها " إلا إذا كان الأقارب المتكافلون جيرانا ، وهذا ايضا غير مأمون من مخالفات شركات التوزيع التي قد تصل إلى قطع التيار ، حيث شهدنا حوادث مشابهة .
الكهرباء تعني الأنترنت و أن يرى الأب أبناءه وأن يشاهد تلفزيونه ويشحن هاتفه ويطبخ طعامه ويغسل ثيابه وجسده ويشرب ماءه ويعالج مريضه وأن يعرض المول أو التاجر بضاعته وأن يعمل الحلاق في صالونه والطبيب في عيادته والمهندس في مكتبه وهكذا دواليك في كل مفاصل الحياة ، فهي عصب الحياة الآن ولا غنى عنها البتة كما كانت الحياة في الأجيال السالفة التي انتقل أصحابها إلى دار الحق أو لا زال بعضهم ينتظر .
والمصيبة أن شركات الكهرباء تماطل في منح الترخيص لكل شركة أو مؤسسة أو منزل يرغب صاحبه التحول إلى الطاقة البديلة ، وهي شكاوى كثرت في الأردن وتحدث عنها الوزير شخصيا لأكثر من مرة بما فيها إجابته عن سؤال نيابي بهذا الصدد .
وإذا كان الفرد الأردني متوسط الدخل يدفع شهريا للكهرباء مبلغا محترما من راتبه ، وإذا حسبنا هذا المبلغ بالنسبة للدخول المتدنية التي تلامس خط الفقر المحدد بـ 550 دينارا وفق دراسة علمية ، فإن الخمسين دينارا - مثلا - تعتبر ثروة بالنسبة لهذا المواطن الذي تجيئه فاتورة الكهرباء على حين غرة ، بينما يكون قد صرف راتبه على أساسيات وضروريات أخرى على رأسها إيجار المنزل أو المكتب وفواتير الدواء والمدارس والدراسة وخلافها ، بحيث لا يتبقى له شيء ينفقه على عياله ، ومن هنا يجد أي دينار إضافي ثقيلا قاسيا وبلا رحمة ، خاصة وأن برمجة النفقات ضمن خطة شهرية محددة غير ممكن في الأردن أمام مطالب الحياة والغلاء والضرائب المختلفة.
وتنتشر في الأردن كما أخبرني صديق عبر الهاتف نكتة جديدة تقول إن أغلبية الأردنيين المشتركين بالضمان الإجتماعي من أولئك الذين لم يتقاعدوا بعد ، يدعون الله أن يصلوا إلى عمر الستين من أجل أن يبلغوا التقاعد ، وهي مأساة قل نظيرها : أن ينتظر الإنسان شيخوخته ويتعجلها ، بعكس الفطرة البشرية التي تحب استمرار الشباب والقوة ، ومرد رغبة الأردنيين من هذه الفئة ، من المتلهفين للوصول إلى عمر الستين ، هو أن قانون التقاعد الحالي الذي حدد الستين عاما وعدد سنوات اشتراك معينة شرطا لحصول الفرد على راتب تقاعدي : هذا القانون النافذ الآن هو بصدد التعديل ، إذ تتواتر معلومات عن نية الحكومة رفع سن التقاعد إلى الخامسة والستين بضغط من صندوق النقد الدولي ، ويخشى هؤلاء من أن يتم رفع سن التقاعد بأثر رجعي فيذهب شقاؤهم وتعبهم في ستين داهية ، حيث سينتظرون وصولهم إلى سن الخامسة والستين ، وعندما يقتربون من ذلك ترفع الحكومة سن التقاعد إلى سبعين ، وهذا ليس بعيدا عن حكومات تعتمد الجباية ، وإذا وصل الأمر إلى هذا المستوى ، فإن أموال الأردنين التي دفعوها للضمان - مثلا - ستذهب إلى الشيطان لأنه لم يبق للمشترك من العمر بقية ، إذا أخذنا بالاعتبار أن متوسط الأعمار في الأردن هي 70-73 سنة كما هو معروف .
كما تلاحظون ، فلقد أخذنا الحديث عن التقاعد بعيدا بينما كنا نتحدث عن الكهرباء واستطلاع الجامعة الأردنية ، وذلك - ربما - لما في النفس من كلام ، ولكني أعتقد بأن الأمرين - التقاعد والكهرباء - متشابكان ، وفي النهاية أسأل الله تعالى أن لا يريكم مكروها بفاتورة كهرباء تأتي على حين غفلة ، لأنه - بدون تسديد قيمتها - سينام الأولاد مثل أبيهم وأمهم .. على العتمة " .
د.فطين البداد