قانون الضريبة ودبكة الوحدة ونص في الأردن
ليس منطقيا أن يأخذ الأردنيون ما تقوله الحكومة حول مشروع قانون الضريبة الجديد على محمل الجد ، ليس لأن الحكومة " غير صادقة " ، بل لأنها - هي نفسها - لم تجر المناقشات الضرورية حول هذا القانون مع مختلف القوى والأحزاب والنقابات والقطاعات الإجتماعية والمهنية والإقتصادية في البلد ، مما يجعل عملية التجميل التي يجريها وزيرا المالية والإعلام ومدير عام الضريبة عبر الإعلام الرسمي عملية فاشلة منذ البداية .
آخر المعلومات تقول بأن هناك دورة استثنائية بعد العيد ، سيكون محورها مشروع قانون الضريبة .. فكيف سيحدث ذلك بدون نقاش خارج القبة ؟..
ستقول الحكومة بأنها نشرت مسودة القانون ، وهذا صحيح ، ولكنها " مسودة " على كل حال ، والأمر هنا يشبه الإستفتاء لا الإنتخاب ، حيث تم وضع ما تريده بإملاءات من البنك الدولي ، بينما تطلب من الأردنيين مناقشة كلمات أو تقديم حرف وتأخير آخر وكأن الحديث يدور عن علامات الترقيم .
كان يفترض - منذ البداية - إجراء مناقشات واسعة قبل وضع المسودة ، لأن المسودة وضعت باجتهاد من ديوان التشريع فقط ، وهنا يكمن الخطأ .
يتضح مما نشرته وقالته الحكومة عن الفئات التي سيشملها القانون بأن الطبقة الوسطى في الحقيقة ستكون مهددة ، والأمر هنا لا يتعلق بحسبة دخول شهرية أو بحديث عن بضعة مئات من الدنانير سنويا ، بقدر ما يتعلق بتأثير الأمر برمته على النشاط داخل البلد ، فهذه الطبقة هي التي تحرك الإقتصاد بالأساس ، بدءا من أصغر بقالة إلى أكبر مول ، وهو ما سيضرب مصادر دخل أخرى للشعب وللحكومة أيضا ، ولكن يبدو أن القائمين على التشريع لم " يحسبوها صح " !.
لا يجوز أن يصرح مصدر حكومي بأن الضريبة المنتظرة والتي سيبدأ العمل بها اعتبارا من العام القادم كما قيل ستوفر مبلغ 300 مليون دينار سنويا .. هكذا بكل بساطة ،دون أن يحسب آثارها ونتائجها على المديين المتوسط والبعيد ، فهل فطن المحاسب الحكومي الذكي كم طبيبا سيغادر وكم مركزا طبيا سيغلق وكم منشأة ستصفى وكم مكتبا هندسيا سيقلص موظفيه ، وعليه قس .
أما الطبقة الفقيرة ، فإن الحكومة تقول بأنها لن تتاثر ، وكأن هذه الطبقة من الموظفين البسطاء ومحدودي الدخل يعيشون في جزر معزولة غير متصلة بالمحيط التجاري والإقتصادي والمالي .
لقد بات الأردني يتحسس رأسه ، ولم يبق إلا أن تفرض الحكومة ضريبة على شعره ، وعندها سينتعش الحلاقون مؤقتا ، لأن الحكومة ستحاسبهم أولا على عدد الرؤوس ، وتصاعديا ، وفق القانون ، على عدد " الشعرات " .
كلنا مع وقف التهرب الضريبي ، والجميع مع فرض أقسى العقوبات على من لا يقوم بواجبه تجاه وطنه وشعبه ، ولكننا أيضا ضد الجباية ودبكة الواحدة ونص في الأجواء الخماسينية القائظة .
د.فطين البداد