اعترافات حكومية في ندوة اقتصادية لم ينتبه اليها أحد
"بداية ، أتقدم بأحر العزاء لنفسي ولقرائي الأعزاء وللاردنيين عموما بشهداء السلط والفحيص الذين سقطوا دفاعا عن البلد وأسأل الله تعالى أن يسكنهم في عليين وأن يمن على جميع الجرحى بالشفاء العاجل وأن يحمي الأردن من كيد الكائدين وتربص المتربصين ، أللهم آمين " .
***
يعترف اقتصاديون مستقلون وحكوميون بأن برامج التصحيح الإقتصادي التي " دوشت " فيها الحكومات رؤوس الأردنيين كانت فاشلة بامتياز ولم تحقق أهدافها التي وضعت لأجلها ، ما يعني بأن كل تلك " الفذلكات " التي كنا نسمعها عن سنوات بعينها وفترات بذاتها لاجتياز الأوضاع الصعبة لم تكن سوى تمنيات وفقاعات هواء .
ليس كاتب هذه لسطور هو من يقول هذا الكلام ، بل هو نائب رئيس الوزراء الدكتور رجائي المعشر الذي قاله " ضمنا " خلال جلسة استضافتها غرفة التجارة في الاردن الأسبوع الماضي .
الندوة الهامة ، التي لم تأخذ حقها في الإعلام لسبب معروف يتعلق بالأرقام والمصطلحات المتخصصة التي لا يفهمها إلا الإقتصاديون والماليون ، كانت صريحة إلى درجة غير مسبوقة ، وصلت إلى أن يقول المعشر بأن أهداف برنامج التصحيح فشلت ، وإن قالها بطريقة مهذبة : " لم تحقق أهدافها " وهذه أول مرة يقال فيها كلام كهذا ، وإذاما أخذناه على سبيل النقد فإن رؤساء الحكومات والحكومات المتعاقبة على مدى العقدين الفائتين كانوا مسؤولين إذن عن هذا الفشل ، ويجب التوقف عندهم ، وبدون ذلك فإن ما دعت إليه الندوة من إعداد برنامج إصلاح وطني سيظل رهن الشكوك لأن كل برامج الإصلاح السابقة كانت وطنية ايضا كما قيل لنا وطبقت في الاردن وعلى الشعب الاردني ، ولم تطبق على المريخ .
البرنامج الإصلاحي الوطني ، كما يفهمه كاتب هذه السطور يعني - من ضمن ما يعني - الإصلاح الضريبي وغيره ، والإصلاح الضريبي ، إذا أردنا أن نتوغل قليلا ، هو ما يطلبه صندوق النقد الدولي الذي وضع برامج التصحيح التي قلنا إنها فشلت على مدار عشرين عاما ، وإننا نفهم ، ونتفهم حاجة الحكومة لهذا الإصلاح فعلا لا قولا ، إذ إن من ضمن أهدافه محاصرة التهرب الضريبي الذي يشكل عبئا حقيقيا ، وهذا أمر محسوم ولا نقاش فيه ، والإصلاح المذكور يهدف إلى رفد الموازنات وتحقيق النمو وتخفيض الدين وما يحدثه ذلك من انعكاس على الخدمات والبطالة وغيرهما ، ولكن هذا البرنامج الإصلاحي - بالمقابل - ليس حرا كما نعرف ، حيث إن ما جرى مع الحكومة السابقة وما وقع في الدوار الرابع لم ينتج عنه - داخليا بما في ذلك إقالة حكومة الملقي - سوى تأجيل استحقاق صندوق النقد لسنة أو اثنتين ، وبعدها ستعود حليمة لعادتها القديمة إذا ما مضينا على نفس النهج المذكور الذي طبقناه خلال الحقبة السالفة .
المطلوب أن لا يكون البلد رهنا للصندوق بمدة محددة ، وعلى الحكومة أن تشتغل وتقاتل في سبيل هذا البرنامج الإصلاحي الوطني بعيدا عن إملاءات الصندوق ، ولكن :
إذا كانت الحكومة الحالية ممثلة بنائب رئيس الوزراء تقول - ضمنا - إن حكومات العشرين سنة الماضية فشلت ، فما الذي يضمن أن تنجح هذه الحكومة في مسعاها الإصلاحي العتيد .
يعرف المتخصصون بأن هناك عددا لا بأس به من الخطط التي تم وضعها على شكل " استراتيجيات " لم يلتزم بها أحد ولم تطبق سوى على " جيب المواطن" رغم ما قيل عن أنها استراتيجيات خاصة بالسياسات المالية والنقدية وغايتها تحفيز النمو والاستثمار في البلد .
إن الحكومات التي تدفع إلى مجلس الأمة موازنات متضمنة لتقديرات " خيالية " في الأغلب ، تنعكس تلقائيا على حجم العجز " الحقيقي " لا نريدها أن تشبه في أدائها هذه الحكومة الواعدة ، التي هي بحاجة إلى إقناع الناس بأن برنامجها الإصلاحي لن يفشل هو الآخر ، أما كيف سيقتنع المواطنون بذلك فتلك مشكلتها ، وإذا كنا على موعد مع دورة استثنائية جديدة لمجلس الأمة بعد العيد بغية إقرار مشروع قانون الضريبة الجديد الذي لم نر نقاشات حقيقية حوله حتى الآن ، فإن المطلوب - قبل ذلك - هو أن يشارك جميع الأردنيين ومؤسساتهم المدنية وأحزابهم الوطنية واليسارية وغيرها بهذا القانون وليس النواب والأعيان فقط ، مع الإحترام للطرفين ، لأننا نتحدث عن مستقبل بلد ، إذ لم يعد الأمر يحتمل تجارب فاشلة أخرى ، كتلك التي خاضتها الحكومات " الفاشلة " إياها .
لا نريد أن تعد حكومة الرزاز الناس بالمعجزات كما فعلت الحكومة السابقة التي وعدتهم باللبن والعسل ليتبين بأن همها لم يكن سوى الحفاظ على أسعار " السردين " .
د.فطين البداد