عن الاردن .. ماذا سيحدث ؟
عاش المواطن الاردني مؤخرا عبر مواقع التواصل وفي الصالونات ضجيجا اعلاميا صاخبا لا يكاد يهدأ حتى تشعله تحليلات وتنبؤات وقراءات تبشر بأردن جديد وبنهج أجدد يقضي على الفساد والفاسدين ويخلص البلد من مديونيتها ويوزع اللبن والعسل على الجميع وينشر العدالة الاجتماعية في كافة ربوعه من أقصاه إلى اقصاه .
ولا يكاد هذا الضجيج يهدأ ، حتى يتبعه ضجيج أشد صخبا وأكثر تطرفا ، وهكذا دواليك .
ولا غرو في أنه وكلما ادلهمت الخطوب على البلد ، اقتصاديا وسياسيا جراء ضغوط خارجية تمارس على الملك للقبول بوضع القدس الجديد والرضا بنقل السفارة والتعاطي بايجابية مع محاولات تصفية القضية الفلسطينية سواء من خلال الاونروا أو غيرها ، كلما اشتعلت هذه الأصوات ضاربة تحت الحزام ومتجاوزة كل أدبيات النقد والحوار دون أن يدري أصحابها الذين لا اتهم انتماء وحب بعضهم للأردن وحرصهم عليه ، بأنه تم استغلالهم وتوظيفهم من حيث لا يشعرون لخدمة تلك الأهداف التي زرعها المغرضون المرجفون ، وآن أوان قطاف ثمراتها بتشكيك الداخل الأردني بنفسه وقدرته على مواجهة الخطوب والتحديات ، وبعزف منفرد على الوطنية غير الناضجة ، وحب الأردن وصونه من البيع بالمزاد السياسي وفق ما تصوره بعض الأقلام والأفواه التي تجهل بأن أي اهتزاز في مؤسسة الحكم ، فإن عواقبه لن تكون إلا وخيمة على الجميع بما فيها كينونة الدولة الأردنية ووحدتها ، بل ووجودها من الأساس .
نقول ذلك في وقت اعترف فيه وزير المالية يوم الخميس بأن حجم خدمة الدين العام الأردني هي مليار دولار بالتمام والكمال ، والجميع يعلم بأن نسبة الدين للناتج الإجمالي تعدت الـ 96 % ، وبأن الأغلبية الساحقة من الموازنة تذهب لرواتب العاملين والمتقاعدين ، في ظل شح موارد قاتل ، وشبه حصار مضروب بفعل ظروف الإقليم وما يجري في الدول المحيطة من تحديات ومعطيات سياسية وأمنية واجتماعية واقتصادية على حد سواء .
وإذا تعلق الأمر بالفساد ، فإن كل الأردنيين يريدون محاسبة الفاسدين حسابا عسيرا واسترداد أموالهم واملاكهم ومكتسباتهم ، ولكن في المقابل ، ليسأل كل واحد منا هذا السؤال : هل مارست أنا يوما الواسطة ، وهل مارست المحسوبية ، أوليست الواسطة والمحسوبية فسادا ، وهل لا أغلق شارعا إن قبض على ابني مثلا بتهمة تعاطي المخدرات ، أليس هذا فسادا ، وهل لا أقوم بالتكسير والتخريب واحراق الاطارات إذا مارس التننفيذ القضائي واجبه وقبض على محكومين " مدعومين " ، أوليس هذا فسادا ، اين ثقافتنا العامة في محاربة هذا الفساد وأولئك الفاسدين ، أين هذه الثقافة في عدم تفويز من لا يستحقون في الإنتخابات ، أفلا يتذكر الأردنيون كيف أن زفة بالأسلحة والرشاشات رافقت إطلاق سراح أحد المتهمين لمسافة تعدت الـ 300 كيلو متر وكأنه خارج من سجن عوفر ، أين ممارستنا الفعلية في محاربة الفساد ، أوليست هذه وغيرها من شبيهاتها أسئلة مشروعة من حق الأردن علينا أن نجيب عنها بصراحة ومكاشفة وبدون لف ولا دوران ؟؟ .
عندما هبط الدينار في العام 1989 ، لم يكن هناك من رواتب كافية لأجهزة الدولة المختلفة ، ولم تكن هناك من أموال في البنك المركزي ، والذي يعود لتلك الفترة يجد بأن الهبوط كان اضطراريا وبدونه كانت الأمور قد ذهبت إلى المجهول، وإذا أردنا أن نستعيد كلمة " المجهول " هذه ، فإننا نستذكرها من كلام الملك نفسه ، حينما علق على ما كان يجري في الدوار الرابع احتجاجا على قانون الضريبة ، حينما قال بصراحة : إننا ذاهبون إلى المجهول .
إذا كان هذا المجهول معلوما لكل الاردنيين ، وهو ضياع البلد إلى الأبد ، فأي حصاد سوف تجني غلاله مناجل الداعين للفتن ، النافخين في كير النار مع علمهم الأكيد بأن الحصاد سيكون يبسا وقابلا للإشتعال .
كما وإنني أدعو الأردنيين جميعا إلى قراءة ما قاله البرلمان العربي في دورته الأخيرة بالقاهرة عن الملك ومواقفه تجاه القضايا المصيرية والمبدئية فيما يتعلق بأولى القبلتين والقدس عموما ، والقضية الفلسطينية وحل الدولتين ، فهل جامل البرلمانيون العرب كلهم وبإجماعهم موقف الأردن أم أنهم قرأوا حجم التحديات التي يواجهها والضغوط التي يتعرض لها والصمود التاريخي الذي يقفه ملك الأردن امام كل ذلك ، مع أن هذا البلد صغير بمساحته وغير ذي بال لدى الدول العظمى وغيرها ، إلا أن ثقة قائده بنفسه وبشعبه وقناعته بوزن بلده الحقيقي وقدرات أهله وعشيرته من الأردنيين الغيارى النشامى جعله ماضي العزيمة ، قوي الشكيمة ، واثقا بالنهايات والمآلات غير ملتفت إلا إلى الأمام شأن الفرسان الحقيقيين المقدمين الواثقين .
لم يدر هؤلاء بأن ما يروجون له وما يدعون إليه هو الوطن البديل ، وهو ابتلاع القدس ، وهو انهاء القضية الفلسطينية والقضاء على حل الدولتين .
بدل أن يقف مروجو الفتنة ، حتى على قلتهم ، مع الاردن ويشدوا من أزر القيادة في مواجهة صفقة القرن وما يخطط لفلسطين وشعبها على حسابنا ، نراهم موغلين في التمادي بالعصف والعسف ، دون أن يعلموا بأننا نحن من سيدخل في الغبار ، و نحن من سيختنق ، ونحن جميعا من سيختفي تحت الرمال ، وعندها لن يغني عن أي منا قائل يقول لا قدر الله : كان ياما كان ، بلد اسمه الأردن !.
د.فطين البداد