عن قانون الجرائم الألكترونية مرة اخرى
تتسارع وتيرة الترويج الحكومي لقانون الجرائم الألكترونية الذي تنظره اللجنة القانونية النيابية هذه الأثناء ، وتجري بشأنه لقاءات مختلفة مع المعنيين بالإعلام في مختلف المواقع ، ولعل ما أورده هنا يفيد الحوار الدائر ، الآن في اللجنة ، وغدا تحت قبة البرلمان:
ما من شك بأن " وجع الراس " الذي يسببه النشر في الأغلب مصدره مواقع التواصل الإجتماعي ، وحسنا فعل واضعو التعديلات حينما أدرجوا ما ينشر من تجاوزات عبر هذه الوسائل ضمن مشروع القانون ، ولكن المقلق هو أن المشروع لم يفرق بين ما ينشر عبر وسائل إعلام مرخصة وخاضعة لقوانين تتعلق بعملها وبقواعد سلوك محددة تشذب نافرها وتحاسب مخطئها ، وبين ما ينشر عبر تلك الوسائل ، لدرجة بات فيها أي خبر منشور على وسيلة إعلام مرخصة يساوي ثوابا وعقابا الخبر المنشور على صفحة شخص استخدم التواصل الاجتماعي منصة للإساءة والتجديف والشتم واغتيال الشخصية وغيرها ..
وسائل الإعلام ، تخضع لقوانين أقرها النواب أنفسهم ومن ثم الأعيان وصادق عليها الملك : هناك قانون المطبوعات ، وهناك قانون العقوبات ، وهناك قانون نقابة الصحفيين ، أي أن جميع جرائم النشر مغطاة بهذه القوانين وبعقوبات قاسية ورادعة ، والمشكلة ليست هنا فقط .
إن مشروع القانون المعدل للجرائم الألكترونية الذي يتسابق لإقراره بعض النواب وكأنهم وزراء في الحكومة ، حوى مفردات من المستحيل على سيبويه تعريفها أو تحديد معانيها : فمن هو الذي يفسر مصطلح " خطاب الكراهية " مثلا ، أوليست هذه كلمة بحاجة إلى تعريف واضح خاصة وأنها مطاطة وبالإمكان حملها على أكثر من معنى وحرفها بأكثر من اتجاه ، أوليس بالإمكان تفسير جملة " جرائم اسرائيل " مثلا بخطاب كراهية ، إلخ ..
وعلى نفس المنوال : من يفسر معنى " الإبتزاز " الوارد بمشروع القانون ، فإذا كان هذا الإبتزاز مباشرا أو واضحا فإن محاسبة مرتكبيه أمر واجب ليكون عبرة لغيره ، ولكن كيف ينجو صحفي إذا نشر خبر فساد أغذية مثلا ، أو قام بالإتصال بمصنع معين ينتج بضاعة مضرة بالأردنيين أيا كانت ، كيف ينجو إذا قام صاحب هذا المصنع بتقديم شكوى ابتزاز بحقه ، كيف نحقق العدالة هنا بين البحث عن الحقيقة للصالح العام وقيام الصحفيين بعملهم ، وبين شركة بإمكانها اعتبار أي انتقاد بوثيقة أو بدون وثيقة عملية ابتزاز تخضع لقانون الجرائم الألكترونية ؟؟ .
كذلك الأمر ما يتعلق باغتيال الشخصية التي عانى كاتب هذه السطور منها أكثر من مرة ، وكان من أشد الداعين لتشريع رادع لكل من يرتكب مثل هذا العمل الخسيس والرخيص ، ولكن ، أليس نشر خبر عن وزير وظف ابنه ، أو رئيس بلدية ملأ بلديته بأقاربه وما شاكل ذلك ، أليس هذا سببا في جرجرة الصحفي ووسيلة إعلامه الى المحاكم ، كيف يستقيم العمل الصحفي مع مثل هكذا مفردات غير محددة الدلالة .
أما ما يتعلق بما تضمنه مشروع القانون من تغليظ العقوبة على اثارة النعرات الطائفية والعنصرية وغيرها ، فإن كل هذا وغيره مدرج ضمن قانون العقوبات المادة 150، وقانون المطبوعات ، المادة 38 ، ناهيك عن قانون المرئي والمسموع .
وعلى ذات السياق ، نفهم أن يحمي القانون المجتمع من الرذيلة والإباحية ، وهذه قضايا ندعو لها ونسعد بإدراجها ، ولكن ، وعلى ذكر " الإباحية " : من هو الذي يفسر الفرق بين نشر صورة لراقصة ، مثلا ، وبين نشر صورة مباشرة خادشة للحياء العام ، وبوضوح أكثر : ما هو الفرق بين هذه الصورة الخادشة للحياء العام وبين ما تسمح به الحكومة للشركات من بث للرذيلة عبر الأنترنت ؟..
ألم ترفض الحكومة حجب المواقع الأباحية في الاردن ؟؟ .
د.فطين البداد