عن تقرير ديوان المحاسبة للعام 2017
لم يحفل تقرير من تقارير ديوان المحاسبة بالرصد والمتابعة كما حفل به تقرير العام 2017 ، والذي تسلمه رئيس مجلس النواب مؤخرا ونشره على موقع المجلس .
منذ نشر التقرير قبل أيام بدأت وسائل الاعلام بتلقفه ونشر الغث والسمين مما ورد فيه ، وذلك لتعطش الاردنيين إلى معرفة ما خفي من الأمور ، وما حجبه المستور .
هذه ظاهرة ايجابية محمودة تخدم مثل هكذا تقارير لكونها تغربل المال العام من الداخل،وبدون أن يجرؤ أي كان من وزارات ومؤسسات الدولة على انكاره أو تفنيده ، أللهم إلا ما يرد به على الاستيضاحات من ردود يقول الديوان أسفل كل تقرير منها بأنه تم تصويبها .
ولما كنت قد كتبت أكثر من مرة عن تقارير ديوان المحاسبة إلا أن نشر التقرير باكرا على الانترنت حفزني لتناوله مرة اخرى من زاوية اخرى .
ويحضرني في هذا المقام ما فعلته اللجنة المالية النيابية السابقة ، والتي ناقشت في غضون 45 يوما تقارير الأعوام 2012 - 2015 وحولت عشرات القضايا إلى مكافحة الفساد ، وهي المرة الأولى التي يتم فيها مناقشة مثل هذا الكم من التقارير دفعة واحدة ، مما دفع البعض لاتهام اللجنة بـ " سلق " التقارير وهو ما نفاه رئيسها ، مع أن منطقية الأمور تقول بأن المدة التي نوقشت فيها والمدة التي أقرت فيها من قبل المجلس فيها نظر .
وإذا كان بإمكان ديوان المحاسبة الدخول إلى اي من المواقع الحكومية ،غير أنه ليس بإمكانه الدخول إلى شركات حكومية محددة وبقرارات استخرجتها الحكومات من ديوان تفسير القوانين ، وايضا ، فإن القضايا التي تم تحويلها وتخص وزراء لم يسمع عن مصيرها أحد حتى الآن، بالإضافة إلى عدد من القرارات التي يتم تحويلها ، ولولا تقارير هيئة مكافحة الفساد لما كان بالإمكان الإطلاع على أي منها ، وهذه مشكلة يجب حلها ، لأننا إذا ناقشنا تقارير ثلاثة أعوام جملة واحدة ، وبغض النظر عن رأينا في هذه المناقشة ، وإذا كنا وجدنا أكثر من 117 مخالفة وفق ما أذكر ،فإن من البداهة أن نعرف ما هي نتيجة تقرير اللجنة المالية آنذاك ، سواء المتعلقة بالقضايا التي تمت إحالتها ، أم بالتي جرى عليها تأخير لأسباب موضوعية أو "مجهولة " .
وإذا كان الديوان موجودا في كل المؤسسات والوزارات والدوائر ، بحكم الدستور ، ويكتب تقاريره السنوية بناء على بينات ووثائق مكتبية وميدانية ، فإن عدم الرد على استيضاحاته يعتبر استهتارا وتهربا ، إذ إننا وكثيرا ما نقرأ أسفل كل تقرير عبارة " لم يتم الرد ، لم يتم التصويب إلخ " .. وهو أمر يفسر ما سبق وقاله رئيس الديوان السابق السيد مصطفى البراري ، والذي اشتكى من لا مبالاة بعض الجهات التي يتم مراقبة حساباتها ، حيث روى حكاية نشرتها المدينة نيوز بالفيديو في العام 2014 حيث قال : " عندما نقول لهم إننا نتحفظ ، هل تعرفون ماذا يقولون لنا : يقولون : تحفظوا بالبامبرز" . . لمشاهدة ذلك اتبع هذا الرابط ثم عد الى هنا ..
وإنني ومن هذا المنبر ، اثني على جهود كل العاملين بديوان المحاسبة ، أولئك الجنود المجهولين الذين يلاحقون ما يستطيعون ملاحقته من شبهات ، وأثني على هيئة مكافحة الفساد التي ما انفكت تحيل قضايا وشبهات الى المحاكم ، واثني على اللجنة المالية وأثمن جهودها ، غير أنني أسأل ومن موقع الحريص : لماذا لم تدرج قضايا ذات وزن ثقيل في تقارير الديوان ، بدل أن تقتصر القضايا المنشورة على شبهات صغيرة ..
وبعبارة أوضح : من هو الذي يقرر بأن التقرير " سين " بالإمكان نشره ، بينما التقرير " ص " يحظر نشره أو تداوله لأنه سري ومن وثائق الدولة ومكتوم ،مع أن كثيرا من التقارير المكتومة والسرية والممنوع نشرها لا تحوي أيا من الأسرار الخطيرة ، ولدينا العديد من الأمثلة التي يعرفها ديوان المحاسبة نفسه ،ونعيد السؤال : من هو الذي يأمر بهذا : هل هي الحكومات ، أم ديوان المحاسبة ، أم جهات نافذة أخرى ؟؟..
إن من يسرق دينارا هو في سنن العدالة كمن يسرق مليونا .. ولكننا بدل أن نفضح اللص المليوني القوي ، ترانا نمسك بخناق سارق الدينار الضعيف الذي غالبا ما يذهب تحت الرجلين !.
شخصيا ، لا أعتقد ان من المنطقي هنا استدعاء عام الرمادة .