عن ورشة .. نحو فلسفة ضريبية جديدة في الاردن
مع أنني غير واثق بمخرجات الدراسات التي تقوم بها المراكز المتخصصة في شتى أوجه القضايا الساخنة ، ولأسباب لا مجال لذكرها هنا ، إلا أنه استوقفني قبل ايام تقرير عن مركز مهم بخصوص ورشة أقيمت تحت ىعنوان " نحو فلسفة ضريبية جديدة في الاردن " طرحت فيها خلاصة توصيات سبق وتوصل اليها المركز من خلال متخصصين استضافهم لهذه الغاية ..
ولأن قضية الضريبة هي الشغل الشاغل الآن للمواطن ولقطاع الاعمال بكل اصنافه واشكاله ، فإن ما خرجت به الورشة ( رأيت تسجيلا له على المدينة ) يعتبر من وجهة نظري عملا مهما يفترض أن لا يذهب أدراج الرياح ، خاصة وأنه عصارة افكار مسؤولين حكوميين ونواب ومحافظين وأعضاء بلديات ، وممثلين عن المجتمع المدني وخبراء ومتخصصين ، ولكن :
بغض النظر عما قاله مدير عام الضريبة في شرحه للقانون الجديد إلا أن ما يعنيني هنا هو الأربعة رزم التي انتهت اليها الورشة ، وهي بتصوري مدخل لمراجعة شاملة أعتقد بأن الوصول اليها لا زال بعيدا لأسباب كثيرة ، ولعلني أتناولها في مقال لاحق ، ولكن المهم هو أن هذه الرزم التي آمل أن لا تكون مجرد عصف ذهني هي بداية الطريق نحو تشخيص سليم لأدواء استعصت على النطاسيين الاقتصاديين منذ تأسيس الدولة إلى الآن .
أولى هذه الرزم ، هو العناية بالتأهيل ، تأهيل الموظفين الذين سيتعاطون مع قانون الضريبة ، وتأهيل الاجهزة المستخدمة في دائرة الدخل علما وتدريبا وتقنية وهي مهمة خطرة ومتشعبة ، لأن التعامل مع المكلفين بالعقلية وبالطريقة وبالكوادر والادوات القديمة سيكون كارثة الكوارث واللبيب من الاشارة يفهم .
ثاني هذه الرزم هو اعتماد الضريبة التصاعدية ، وإن كنت اختلف مع هذه الرزمة ليس بالغاية وإنما بالوسيلة ، لقناعتي بأن الإصلاح الضريبي والتشريعي لا زال بعيد المنال ولأكثر من الخمس سنوات المقترحة ، لأننا نتعامل هنا مع مواطن لا زالت ثقافته الضريبية في الاغلب صفرا ، بل إنني أقول أكثر من ذلك ، وهو أن المواطن الاردني الذي خضع الآن لقانون جديد هو بالكاد يعرف شيئا عن هذا القانون ، ولو اجري استطلاع علمي لاكتشفنا- ولو بالاستئناس - معضلة ثقافية في هذا الشأن ، ومن اجل ذلك ، فإن إعداد مكلفين واعين كما تطمح الرزمة يتطلب جيلا " متعوبا عليه " واعيا بحقوقه وبحقوق الدولة عليه ، فكيف ببلد أولوياته تتعلق بتأمين رواتب موظفيه ويرعى مجتمعا يعاني البطالة والفاقة وينام كثير من شعبه طاويا .
أما الرزمة الثالثة التي عنت بالسياسيات المالية ومحاربة الفساد والتجارة الالكترونية وما اسمته الرزمة " القطاع غير الرسمي فإني لا ارغب في التعليق عليه لأن لكل بند فيه بابا يفضي الى ابواب أخرى كل منها بحاجة الى ورش كاملة لسبر أبعادها ، غير أنه في المحصلة يتداخل مع الرزم الاخرى بطرق مختلفة .
أما الرزمة الرابعة فتعلقت بالسياسات المالية وتحدثت عن الشفافية ومحاربة الفساد والتجارة الالكترونية والافصاح وما الى ذلك من ضروب قالت الرزمة إنها تهدف الى كل ذلك ومعه الاستقرار التشريعي .
هي ورشة مهمة ، والمركز الذي اقامها مركز محترم وله سبق تاريخ في التميز والابتكار والمخرجات ، كما وإنني اعود واذكر بأن عدم الاستقرار التشريعي الذي ورد في الرزمة الرابعة هو " البعبع " الذي يجعل المستثمرين ذوي أجنحة ثلاث ومثنى ورباع ، وعلى الحكومات أن تعرف أن هذه الأجنحة حقيقية ومجربة وليست أجنحة من طين .
د.فطين البداد