عن الحكومة والنواب واتفاقية الغاز
لعبت الحكومة بدهاء خلال مناقشة النواب اتفاقية الغاز مع الكيان العبري والتي انتهت برفضهم جميعا هذه الاتفاقية التي تدخل كل اردني حظيرة التطبيع شاء أم أبى .
الحكومة ، كانت تعلم بأن هذا الموقف النيابي هو انعكاس للموقف الشعبي الرافض لهذه الاتفاقية جملة وتفصيلا ، إلا أنها آثرت اللجوء الى طرق ملتوية في الابقاء على هذه الاتفاقية ، أو على الاقل ، إطالة بقائها ، مؤملة نفسها بأن الناس ستنسى ، ليس لأن الشعب غير واع لما يجري ، بل لأن الظرف الزماني الذي طرحت فيه الاتفاقية للنقاش تحت القبة ليس في صالح النواب أصلا ولا في صالح إلغائها " دستوريا " .
لماذا نقول هذا الكلام ؟؟
لأن النواب سيذهبون الآن في عطلة مدتها ستة أشهر بحكم انتهاء الدورة العادية الثالثة " الحالية " ، ولكي تستبق أي إجراء يقوم به النواب من قبيل حجب الثقة عنها ، تعمدت إطالة الأمد من خلال إعلان نائب رئيس الوزراء ، وأمام النواب أنفسهم بأنها ستوجه سؤالا للمحكمة الدستورية لإبداء رأيها في ما إذا كانت المادة 33 من الدستور تطال الاتفاقية أم لا ، والمادة الدستورية المذكورة تحدد أن اي معاهدات أو اتفاقيات ينتج عنها تحميل خزينة الدولة شيئا من النفقات أو تمس حقوق الاردنيين الخاصة والعامة يجب أن تطرح قبل توقيعها على مجلس الأمة أولا ، وتعتقد الحكومة التي لجأت إلى خيار استفتاء المحكمة الدستورية بأن قرار المحكمة ، سيكون لصالحها على اعتبار أن الذي وقع على الاتفاقية شركات وليس حكومات ( الكهرباء الوطنية ونوبل انيرجي الامريكية ) وهي هنا تضرب عصفورين بحجر : الأول تبرئ نفسها من التوقيع والثاني تكسب مدة الستة شهور القادمة التي لا يمكن للنواب مناقشة الاتفاقية خلالها بسبب عطلتهم ، أما إذا تقرر عقد دورة استثنائية ، فالحكومة تعلم أيضا بأنه لا يحق للنواب مناقشة أي شيء غير مدرج على جدول الاستثنائية ، وهنا تميع القضية كل هذه المدة وتبقى الاتفاقية وعين الحسود فيها عود .
أما إذا قررت المحكمة بأن على الحكومة طرح مشروع الاتفاقية على مجلس الامة بحكم خضوعها للمادة 33 من الدستور فإن أمام الحكومة فرصة أيضا في الابقاء على الاتفاقية وهو ما هددت به تحت القبة ، حيث يترتب عليها شرط جزائي كبير إن تم إلغاء الاتفاقية ، وبالتأكيد ستلوح به أمام النواب ، أما إذا طالب النواب بمحاكمة من وقع على الاتفاقية وكبد البلد هذا الشرط الجزائي فإن الأمر لن يتغير كثيرا بخصوص الاتفاقية التي ستنفذ بجلدها .
غير أن بعض النواب واعون لما تطبخه الحكومة ، ومن أجل ذلك ، فقد وقع عدد منهم على مذكرة لحجب الثقة ، كرد على مماطلتها في الغاء الاتفاقية ، ولكن الحكومة " أشطر " وأذكى ، حيث إن طرح الثقة بالحكومة لا يجوز إلا في دورة عادية .
صحيح أن النواب طالبوا بإلغاء الاتفاقية ، بغض النظر عن راي المحكمة الدستورية ، ولكن هذا الإلغاء لم يتضح كيف ، ومتى ، ولكننا نسأل سؤالا لم نسمعه في المجلس وهو : حتى لو أن الذي وقع الاتفاقية الشركة الوطنية ، أوليست هذه الشركة مملوكة بالكامل للحكومة ، وسؤال آخر في نفس الأتجاه : ألا يخالف وجود هذه الشركة أصلا قانون الشركات بسبب أن ديونها تجاوز الحد الأعلى للديون المسموح به قانونا ، وأيضا : هل تجرؤ هذه الشركة على توقيع عقد بـ 15 مليار دولار من دون موافقة الحكومة ..
وما يكشف الطابق كله هو أن النواب ناقشوا الاتفاقية بدون أن يطلع عليها أي منهم ، وبدون أن يكون هناك اي نسخة منها في مجلس الأمة ؟؟ .
اين عقولنا يا سادة ..
إن المطلوب هو الإنصياع لفرار الشعب ونوابه وإلغاء هذه الاتفاقية فورا لأنها اتفاقية سياسية بالأساس ، والأردنيون كلهم يرفضونها ومن دون استثناء ،ويرفضون التطبيع مع هذا العدو الغاصب والمجرم والطامع بابتلاع ما تبقى من الضفة بقرار مرتقب من ترامب قد يأتي بعد الجولان ، وهو ما يعني تحقيق حلم اسرائيل في جعل الاردن وطنا بديلا .
إن الانصياع لرغبة الشعب الاردني واجب أي حكومة ، ويقول النواب إن عليها الانصياع وإلغاءها بدون مماطلة ، وإلا فإن عليها الرحيل وفورا .
د.فطين البداد