الأردن في مجلس التعاون الخليجي، ما لنا وما علينا
منذ أن رحبت دول الخليج بانضمام مملكتي الأردن والمغرب إلى مجلس التعاون الخليجي وردود الأفعال تتراوح بين مؤيد ومعارض .!!
من يتابع بنظرة أكثر شمولية لما يجري من أحداث ومتغيرات في الوطن العربي يدرك ضرورة وأهمية هذه الخطوة للجانبين، وسأتحدث هنا من موقعي وانتمائي للمملكة الأردنية الهاشمية وموقفي من انضمامها إلى دول مجلس التعاون الخليجي.
لابد أولاً من أن نبين للإخوة الُمعارضة في الأردن ، أن انضمام المملكة إلى مجلس التعاون الخليجي لا يقتصر دوره على موضوع الزي أو نوع الطعام إلخ.... ( كما يتفكه كثيرون ) وإنما يتعداه إلى جوانب عدة أكثر ضرورة وأهمية ولعلهم يدركونها :
فمجلس التعاون الخليجي ليس دولةً واحدة – كما هو معروف - وإنما ست دول لكل دولة خصوصياتها وعاداتها وتقاليدها وزيها وثقافتها، وإن اتحاد هذه الدول الست ضمن مجلس التعاون الخليجي هو في المحصلة : اتحاد سياسي وقوة عسكرية واقتصادية وتبادل في الثقافات وتسهيل في التنقلات ومساعدات في كافة الاحتياجات..
وبانضمام المملكة الأردنية الهاشمية التي لا يتجاوز عدد سكانها الستة ملايين نسمة فإنها ستحصل على هذه المميزات التي هي لخير الأردن، وعندئذٍ يجب أن لا نتوقف عند المسميات، رغم اعتقادي بتغيير الاسم ولو بعد حين.
وعند سردنا لامتيازات هذا الإنضمام فإنه لا بد لنا من الإعتراف بأن الأردن سوق صغيرة وأن المنافذ البحرية لدينا محدودة ، وبانضمامنا فإن امتدادا جغرافيا أوسع يعني امتدادا تجاريا أكبر ، بحيث تكون الجمارك صفرا وبدون ضرائب والتنقل والسفر يتم عن طريق الهوية بدون فيز أو إقامات.. مع التذكير هنا أن الخليجي حالياً يستطيع دخول الأراضي الأردنية بدون فيز ويستطيع شراء العقارات والاستثمار على عكس الأردني الذي يحتاج عند دخول الأراضي الخليجية إلى فيز وعند الإقامة إلى كفيل ، ويعود ذلك إلى أننا أضعف اقتصادياً ، وعليه ، فإنه لا يمكننا وضع الشروط على دخول الخليج وعلى الاستثمارات الخارجية.
أما بعد الانضمام إلى المجلس فسيكون بإمكان الأردني أن يتنقل بحرية في دول الخليج العربي وأن يستثمر فيها بشركات ومؤسسات ومصانع ومستشفيات... الخ.
وبإنضمام الأردن إلى المجلس فإن هذه الأعداد الكبيرة من خريجي الجامعات الاردنيين وأصحاب الخبرات التي لم تستطع إثبات وجودها وإبداعها في وطنها لعدم توافر فرص عمل مناسبة ستذهب إلى دول الخليج وتعمل وتبني مستقبلها ويكون لها حقوق وامتيازات أبناء البلد ، وبالتالي تنعدم البطالة التي تكلف الدولة في الأردن مبالغ هائلة وتضع عليها حملا ماليا واجتماعيا ثقيلين يؤثران على بقية المرافق..
ولأن مجلس التعاون الخليجي يضمن ضرورة أن تعيش الدول التي تنتمي إليه في ظل اقتصاد قوي، رغم وجود بعض الإرباكات التي ما تزال تعيق اندماج المجلس ومنها : وحدة العملة ووحدة جواز السفر وبعض الإشكاليات في اتفاقية الجمارك، إلا أنه – مجلس التعاون - يقدم الدعم المالي والمساعدات المختلفة لأعضائه ، وبانضمام الأردن فسيقدم المجلس دعاماً اقتصادياً بإغلاق معظم ديون المملكة ويطوّر البنية التحتية ويدعم البلد بالغاز والبترول بأسعار تشجيعية حتى يستطيع أن ينمو ويتطور ويشكل دعامة حقيقية لأبنائه.
لكن على الأردن، في مقابل ذلك، أن يحافظ على استقراره السياسي وأمنه ، وأن يتبنى خطوات فعّالة وسريعة في أكثر من محور أبرزها : مكافحة الفساد ، بحيث يتم اجتثاثه من جذوره من خلال المحاكمات السريعة وفرض العقوبات الجدية وإلغاء المحسوبيات والوساطات، فلا تطوير وتقدم ولا اصلاح بدون دولة مدنية قائمة على قوانين وتشريعات عصرية وقضاء حر نزيه واقتصاد يعتمد على الكفاءات...
ولعلَّ من أهم مميزات الانضمام إلى مجلس التعاون أيضا : هو القبول بالآخر ، وتقبله والإنفتاح عليه ، لأن أكثر من ٥٠٪ من سكان الخليج هم أجانب يعيشون بانسجام مع أبناء البلد الواحد ، وهم الذين كان لهم الأثر الأكبر في تطوير وبناء الخليج، وعلينا أن لا ننكر أننا مازلنا بحاجة إلى هذه الخبرات في بعض الاختصاصات وأننا بفتح سوق الاستثمارات في الأردن سنحتاج إلى عمالة إضافية.. وإذا قال أحدنا : إن هذا ما لا نريده في الأردن ، فكأننا نعلن للعالم : لا للوجود الأردني في الخارج..
واذا ما رجعنا إلى " التفكه " وسياق الدشداش والغترة والشماغ الأحمر والكبسة والمنسف ومجموعة النكات التي أطلقت منذ أذيع خبر انضمام الأردن إلى دول مجلس التعاون الخليجي ، فعلينا أن ندرك أن الاتحاد بين العرب يكون في توحيد الجيوش والأسواق وبرامج التعليم ، وأنه ما من داعٍ للوحدة الإندماجية المطلقة : إذ لكل شعبٍ عربي خصوصيته الإجتماعية والتاريخية .
فلنحافظ إذن على تراثنا وشماغنا وتاريخنا ، ولكن ما من ضير أن نضيف " الكبسة " إلى مائدتنا الأردنية الكريمة.
د. فطين البداد