إلى حمزة وإخوانه
ترى : أتستبدل فيروز الأسماء، أتخاطب اليوم حمزة صديق الطفولة بدلاً من شادي ؟؟!!
حمزة الفتى السوري ذو الثلاثة عشر ربيعاً ، الذي خرج يحمل البسكويت والعصير لأصدقائه الغاضبين في شوارع درعا السورية ولم يعد ، هو نفسه " ما غيره " ..
تعرفونه بالتأكيد ، فلقد عرفته الدنيا ..
حمزة هذا الشاب الصغير الذي يحمل حلوى ً وليس سلاحاً يذهب لأصدقائه وليس لأفراد عصابة، يوزع عليهم ما تمكن من حمله رغم ضيق ذات يده ، فعل ذلك ليفرح قلوبهم الصغيرة ، لا لينقض على مركز للحراسة في درعا..
حمزة الطفل الكبير الذي يحب اللعب والشوكولاته ، وليس النساء ، والليالي الحمراء ..
حمزة الذي لم يكتفوا بتجريده من طفولته ، بل وجردوه من بطولته وجردوا أهله من حزنهم وفخرهم بابنهم الشهيد البطل وجردوا الشعب السوري العظيم من حقه في نعي طفلهم الذي سقط ..
حمزة وأشباهه وأترابه في سوريا واليمن وليبيا : لن يكتبوا ذكرياتهم على مقاعد الدراسة ، ولن يلهوا في باحات المدارس ، لن ينهوا واجباتهم المدرسية مسرعين طمعاً بمشاهدة الرسوم المتحركة التي لن يغنوا أغانيها ولن يتمثلوا بشخصياتها كما يفعل كل أقرانهم في الدنيا ..
لن يعيشوا الحب الأول ولن يكتبوا قصائد نزار وينسبوها لأنفسهم ..
لن يعيشوا فصول السنة بدفئها وبردها ورائحة ياسمينها وأزهارها، لن يركضوا تحت المطر مسرعين إلى بيوتهم ليتجمعوا مع إخوتهم حول مدفأة الحطب ، ثم تأتي الوالدة الحنون بصينية عليها ما لذ وطاب من خيرات الوطن ، وطن أجدادهم وأبائهم وأولادهم .. وطنٌ لهم كل الحق في أرضه وهوائه ومائه وزرعه وثرواته، وطنٌ لم يبقَ لهم منه إلا ترابه الذي يضم أجسادهم الصغيرة ، المعذبة ، الممزقة..
أتراك يا حمزة صرخت على جلادك ألماً متوسلاً إليه طالباً الرحمة، أصرخت منادياً أمك وأباك وأخاك لنجدتك، أبكيت وتأوهت؟؟ وأين كانت قلوبهم الطافحة عتمةً وحقداً وغدراً، ..
يا ألله : أي قسوة يحملونها وأي سادية يمارسونها وأي وحشية يواجهون بها قبحهم وضعفهم وجبنهم وفشلهم!! ..
رجال مدججة بالكراهية تتصدى لأطفال ومدنيين مسالمين كتبوا بأناملهم نداءات الحرية والكرامة، رسموا بدمائهم مستقبلهم على حائط بيوتهم و " زنقاتهم " وأرصفة شوارعهم ، فأخافوا بشجاعتهم دبابات الأنظمة المستبدة وضيّقوا سجونها وأقضوا مضاجعها..
صنعوا صورهم التي واجهوا بها كذب ورياء وخديعة إعلام حكوماتهم ، أنتجوا نتاجهم السينمائي الخاص من صور ولقطات ومشاهد ووثقوها وقدموها للناس بعد أن ألغى الاعلام الرسمي صور الشهداء من الوجود منذ أن شطب الحياة ذاتها ..
قاوموا بموبايلاتهم هواء الاعلام الرسمي الذي لا يسمح بخروج روح الشهداء السوريين على هوائه..
هذا كله يحدث في الجار الشقيق سوريا وفي اليمن وليبيا أيضاً والأنظمة العربية وجامعة الدول العربية لا تحرك ساكناً ، لا تنتفض لقول كلمة حق لنصرة شعب عربي ، لوقف حمام الدم والقمع ، لمنع اغتيال الأحلام وإزهاق الأرواح، بينما نجد الغرب يستنكر ويرفض اطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين السلميين ويجتمع ويقرر ويفرض عقوبات على أنظمة الاستبداد ويحاول ويذكر بضرورة وقف العنف وحماية المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ وشباب..ولكن :
لأنه صوتٌ قادمٌ من الخارج فإنه صوت متآمر خائن لا يريد بنا خيراً ، متجاهلين عامدين وعن سابق قصد صوت الداخل الذي هو صوت الشر والرصاص ، ذلك الذي يعلو و " يلعلع " باسم أمن الوطن ، ومصالحه العليا ..
هل من مصالح عليا لأي وطن أعز من إنسانية المواطن ، وكرامته ، وحقه في أن يتنفس الحرية ..؟؟ ..
أصدقاؤك يا حمزة ينادونك لتعود إليهم ، لتكبر معهم ، لتعيش الحرية التي دفعت أنت وإخوانك ثمنها غالياً ، تلك التي قدمتموها مع قطعة من الشوكولاته..
د. فطين البداد