الحكومة بين الورقي والالكتروني وتحديات اليوم
جريدة ورقية .. جريدة الكترونية
كتاب مطبوع .. مكتبة آي باد
تلفزيون .. يو تيوب ..
هذه هي ثورة التكنولوجيا الاعلامية التي نعيشها اليوم ، واذا ظن البعض أن الإنسان سيتوقف عند هذا الحد من الاختراع والتطوير في شتى المجالات فهو مخطئ : فها هو يتابع محاولاته الحثيثة في دراسة إمكانية وجود حياة أخرى في الفضاء الخارجي، ويتدخل في الأحوال الجوية والطقس فيستقدم الغيوم ويُسقط الأمطار ويُخفض درجات الحرارة وووو... هذا هو العالم من حولنا يتحرك بسرعة مذهلة يصعب علينا اللحاق به مع أننا - نحن العرب - أهل الاختراع والابتكار والحضارة ، نركض ونلهث وراء الإبتكار والإكتشاف دون حتى أن يرف لنا جفن ، أو أن نصرخ : " إلى متى " .. !! .
لعلكم تعرفون تجربتي الاعلامية مع جريدة المدينة الأسبوعية الورقية التي حملت شعار " أغلى من أن تُباع " والتي كانت تُوزّع على ثلاثة أرباع المملكة الأردنية الهاشمية ، وهي جريدة مزجت بين الاعلان كرسالة والأخبار كمعلومة... تمتاز بتركيزها على قضايا واهتمامات الناس واحتياجاتهم ومتابعتها لدى المسؤولين مع التركيز على السلبيات والإيجابيات التي تمس حياة المواطن بشكل مباشر ومراعاة تلبية أمزجة مختلف شرائح المجتمع بالمواد الصحفية التي تنشرها..
صدر العدد الأول من جريدة المدينة الأسبوعية في الثامن عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر من عام الألفين وخمسة، ثم كان القرار بإلغاء الورقي منها وتحويلها إلى جريدة الكترونية " المدينة نيوز " في عام الألفين وثمانية..
ورغم أن قراري هذا قوبل بالاعتراض من قبل بعض الأصدقاء والعاملين في الجريدة ووصفوه بأنه انتحار اعلامي، ورغم أنني هوجمت في الصحافة وانتقدت على عدم قدرة مؤسستنا الاعلامية على الاستمرار في الاعلام الورقي وبأننا نواجه إفلاساً مهنياً وماديا.. غير أنني كنت على يقين بأننا نمضي في الطريق الصحيح وأن المستقبل اليوم وغداً سيكون للاعلام الالكتروني الذي بات لغة التواصل الأنجع مع القارئ العريض المحلي والعربي وحتى الغربي.. القارئ الذي أود مخاطبته والتأثير فيه والاستماع لرأيه وعرض مناقشاته، القارئ الذي يرفض إلا أن يكون مشاركاً وفعالاً في الرأي العام وفي تشريع القوانين وصياغة الأنظمة ، وفي بناء وطنه وتطويره وإعلاء شأنه ، القارئ الذي يأبى أن يكون مجرد متلقٍ للأخبار والعناوين والشعارات..
إلا أن حكوماتنا الموقرة ما تزال ترفض إدراك هذه الحقيقة : بأن إعلام اليوم أصبح إعلام القرب والدنو ، لا البعد والنأي ، إعلام التواصل والمشاركة ، لا القطيعة والإقصاء ، إعلام إشراك القارئ والمستمع والرائي " المتفرج " لا تهميشه وتلقينه وتبصيمه ..
ما تزال الحكومات لدينا - وعندما تريد أن توجه خطاباً للشارع أو تمرر مجموعة من الرسائل إلى الشعب - تجتمع بالجرائد الرسمية الورقية وتخاطب رؤساءها ومحرريها لاعتقادها بأنها تستطيع – عبرهم - إرسال الرسالة المطلوبة، ثم تتفاجأ بالصحافة الالكترونية تهاجم سياستها وتنتقد خطواتها ليس انتقاماً لتجاهلها وإنما لأنها بعيدة عنها وعن خطابها ومرادها السياسي أو الإقتصادي أو الإجتماعي .. دون أن يعني ذلك أن يـُبث غير الحصيف ، أو أن يـُنشر غير الرزين ، أو أن يتابـَع غير الوطني .
اليوم على الحكومة الأردنية أن تفهم أن مستخدمي الإنترنت والمطلعين عليه في الأردن وقراء المواقع الالكترونية الإخبارية والاجتماعية في تزايد مستمر حيث باتوا يشكلون شريحة واسعة ، فبحسب الاحصائيات فإن ٤٥٪ من سكان الأردن يستخدمون الانترنت و٢٦٪ من البيوت فيها انترنت ، وبحسب الاستطلاع الأخير الذي قامت به شركة " ابسوس ستات " فإن عدد قراء المواقع الالكترونية الإخبارية هو 8 ، 18 % بينما عدد قراء الصحف الورقية انحسر إلى 3 ، 16 % علماً أن هذه الدراسة كانت قبل بداية الربيع العربي والثورات العربية : أي أنها في تزايد...
اليوم ، القارئ الأردني لم يعد ذلك القارئ التقليدي الذي يشتري الصحيفة ويذهب إلى مكتبه أو إلى مقهى لتصفحها مع فنجان قهوة.
القارئ الأردني بات يفتح كومبيوتره المحمول في أي مكان في البيت والعمل والجامعة والمقهى والمطعم ويقوم بجولة يومية على مجموعة من المواقع الالكترونية التي يستقي منها أخباره ومعلوماته لحظةً بلحظة.. يجد كل أخبار الوطن والعالم بين يديه، يبحث عن المعلومة التي يريد في بحر الانترنت الواسع من خلال الخيارات العديدة التي يقدمها له هذا العالم الغني.
لذا ، ومما تقدم ، فإنه كان حريا بحكومتنا - أن تقترب من اعلام العصر : من المواقع الكترونية ، وتضع النظم والتشريعات التي تنظمها وتنهض بها ، وتؤسس وتؤمن لهذا الإعلام البيئة الصحية حتى لا يتحول إلى اعلام فضائح وميدان لتصفية الحسابات الشخصية.. بدل أن تركز – الحكومة - اهتمامها فقط على الإعلام الورقي من صحف رسمية وغيرها ظنت أنها تواكب العصر بأن جعلت لنفسها مواقع الكترونية على الانترنت ولكن دون أن تغير في خطابها وآلية عملها فأضحت نسخة عن الورقية التي لا تتغير أخبارها ولا تتبدل ..
كان حريا بالحكومة أن تخلق وترعى علاقة تنافسية تكاملية بين الاعلام التقليدي المقروء متمثلاً بالصحف الرسمية الورقية وبين الاعلام الجديد من مواقع الكترونية إخبارية واجتماعية وفنية، وأن تقترب من هذا الأخير وتجعله منبراً لها مشاركاً معها في صياغة المرحلة ورسم خطوطها الأردنية والعربية وحتى العالمية ..
مسؤولية الحكومة ، أي حكومة ، أن تنظر إلى أبعد مما استمرأت رؤيته بعين مجردة ، فلقد فصل العلم نظارات وعدسات بإمكان أي كان استخدامها ، وكل ما يتطلبه الأمر هو حسن تشخيص لواقع الرؤيا الإعلامية ومن مختلف زواياها البصرية .
هذه هي القضية باختصار ! .
د. فطين البداد