اعلام، مسؤول
( اعلام ، مسؤول) وإذا أزحنا الفاصلة بينهما أصبحت : (اعلامٌ مسؤول ) وهذا ما دأبنا ندعو إليه ونطالب به وما عاهدنا أنفسنا على سلوكه في مؤسستنا الاعلامية..
لعلامات الترقيم عالم خاص هنا ..
المسؤولية لا تعني تضييقا للحريات أو تقييدا لها وتحديدا لسقفها، كما أن المسؤولية – الاعلامية - تعني اعلاما حرا مسؤولا ، أي : هي اعلام يحترم نفسه ويلعب دوره المهني بشفافية ومصداقية عالية : بأن يسلط الضوء على الخلل وينتقد المخالفات ويكشف التجاوزات ويعرّي الفساد والمفسدين ويطالب بالإصلاحات فيكون صوتاً حقيقياً للناس وصدى للشارع وفق معطيات ووثائق وتحقيقات تؤكد على هذه المصداقية وتدعم موقفه في انتقاده لشخصية عامة أو خاصة أو مؤسسة أو وزارة أو منشأة...
ولكن ما نشهده حالياً في الساحة الاعلامية الأردنية وتحديداً في بعض المواقع الالكترونية ، وأشدد على " بعض " هو : تجاوز للمهنية والحرفية والمسؤولية ليصبح الاعلام ساحة ً لتصفية الحسابات وإثارة النعرات وتلفيق الأكاذيب وبث الإشاعات المغرضة والمساس بأسماء شخصيات معروفة والنيل من سمعتها وهيبتها ومكانتها لمجرد " صف حكي " وإثارة الرأي العام واجتذاب أكبر عدد من القراء، دون إرفاق ذلك بوثائق أو حتى بشهود يؤكدون صحة ما ينشر ومصداقية ما يكتب، علماً أن ألف باء الصحافة هي : أننا عندما نريد أن نوجه اتهاما لأحد ما ، أو أن نحقق في قضية ما ، فعلينا أن لا نكتفي بمصدر واحد بل أن نتقصى الحقيقة من عدة مصادر لنرى مدى التشابه والتلاقي في المعطيات المُقدمة ، والأدلة الظاهرة والباطنة .
اليوم ، وعندما يُعلن عن جلسة استثنائية للحكومة – مثلا - أو حتى " نية " لمناقشة قوانين المطبوعات وآلية عمل المواقع الالكترونية ووسائل وضع القوانين التي تنظم عملها، تثور ثائرتنا ونرفض ونحتج على كبت وقمع الحريات الصحافية التي أتاحها لنا جلالة الملك بنفسه عندما قال: (حرية الصحافة سقفها السماء) ..
فات كثيرين أن المقصود بذلك ليس صحافة القيل والقال أو الصحافة الصفراء ، وإنما الصحافة المسؤولة التي تحترم عقل وذهنية القارئ والمتلقي الأردني والتي تحمل في طياتها رسالة هدفها المشاركة في بناء أردن المستقبل ، أردن العطاء والإنجاز..
لذلك ، وجب علينا أن نربط دائماً الاعلام بالمسؤولية ، ولا نفصل بينهما بل ونجعل المسؤولية عنوانا للإعلام الأردني وشعاره المطلق..
مرة أخرى : رحم الله واضعي علامات الترقيم وحروف العطف ، فأنا مضطر لأقول هنا :
إذا أضفنا " الواو " بدلاً من الفاصلة لتصبح العبارة ( اعلام ومسؤول) فإن هذا باب كبير نفتحه على مصراعيه كونه على تماس مع من هو في موقع المسؤولية بالاعلام الأردني بكافة أشكاله بما فيه الاعلام الالكتروني.
بينما يتحدث بعض الصحفيين والإعلاميين عن ابتعاد المسؤول عن الاعلام الوطني الذي يجب أن يقدم من خلاله للشارع الأردني خطة عمله وبرنامجه الإصلاحي ومشاريعه وإنجازاته، يتقرب البعض الآخر من هذا المسؤول فيجمّل إنجازاته وأفعاله وخطواته ليتلقى منه، أي من المسؤول، أجراً مختلفا ألوانه فيه منافع للجيوب ، وبرد وسلام على الأعصاب والقلوب .. ..
وبينما يعترف بعض المسؤولين ببعدهم وتقصيرهم تجاه الاعلام، نجد البعض الآخر يعين في مكتبه نخبة من المستشارين الاعلاميين الذين هم من خيرة إعلاميّي الوطن لينشروا أخبار هذا المسؤول وزياراته وأعماله وخطاباته في كل الوسائل الاعلامية المُتاحة فيلقي الضوء على سيادته ويلمع من عبقريته التي نقرؤها فقط في ثنايا السطور دون أن نشاهدها عيانا أو نتلمسها كنتائج فعلية على الأرض ..
وعندما تأتي وسيلةٌ اعلامية مسؤولة وتكشف المستور وتعلن عن " المخبى والمخفي " ينقلب دور هذا المستشار الاعلامي إلى " بلطجي اعلام " فيسخّر كل وسائله الاعلامية الصديقة المأجورة سواء بالمال أو بالخدمات لخدمته وخدمة معاليه والنيل من الجهة المتقصية بأبشع الألفاظ وأقبح الطرق فيعلنها حرباً شعواء وقضية مصير : " يا قاتل يا مقتول " ،لأن سياسة هذا المسؤول الاعلامية التي لقنها لمستشاريه هي : إما اعلام مديح وغزل مع ابتسامة عذبة وصور أنيقة وهذا إعلام وطني صديق ، وإما اعلام نقد ومكاشفة ، وهذا اعلام عدو مغرض لا يريد بنا أو بالوطن خيراً ..
لسان حال البعض هو :
نعم لإعلام التجميل ، وألف لا لاعلام التحليل والتعديل والتبديل ، لا لإعلام الحقيقة والوقائع ، ونعم لاعلام الفوتوشوب ورسم وتزوير الملامح ..
...
في كل الحالات ، يبقى المسؤول معطوفاً على الاعلام ، ويبقى الاعلام هو الأساس ، وفي المقدمة.
د. فطين البداد