البطالة في الاردن وضبط التجارة الالكترونية
يبدو أن الحكومة حسمت امرها بخصوص ضبط التجارة الالكترونية في الأردن ، حيث من المقرر أن تفعل ذلك قريبا ، ونقول ذلك بفعل " الدندنات " التي بدأنا نسمعها ، والذي حتمته سرعة انتشار هذه التجارة التي تبلغ في الأردن حتى الآن حوالي 400 مليون دينار سنويا ، وهو مبلغ ضئيل مقارنة بغيرنا ، ولكن علينا أن ننظر إلى البنى التحتية والثقافة المعاصرة التي يسيطر عليها الأنترنت ، إذ من المحتمل أن تتضاعف لعدة مرات في السنوات اللاحقة .
طيب ، ضبط هذا النوع من التجارة ، حسب البعض ، من شأنه أن يخدم القطاع التجاري العادي الذي يدفع لهذا الإجراء بدعوى أنه قطاع متضرر لأسباب معروفة تتعلق بالجمارك والشحن والتجارة المباشرة التي عزف عنها الناس في الأغلب ، وما إلى ذلك من أسباب جعلت التجارة التقليدية تجارة متخلفة إلى حد ما في هذا العصر الثاقب .
عملية التنظيم ستتم بقانون بلا شك ، ومن المحتمل - وفق تقديري - أن يعرض على الدورة العادية سواء في هذا المجلس أو غيره " لهذه العبارة أسبابها " ومن شأن سن قانون ينظمها ، فإن هذا يعني أن تخضع للرقابة والترخيص وتثبيت مواد وبنود للحماية من عمليات النصب أو الغش التي تحدث أحيانا دون أن يجد المتضرر ملجأ يأوي إليه .
نفهم وندرك دوافع تنظيم هذه التجارة التي ستدر لبنا وعسلا على ايرادات الدولة من خلال الرسوم على التحويلات وغيرها ، ولكن نرغب في التسجيل هنا أن أي قوننة غير واعية لهذه التجارة ستأتي بضدها ، وسوف تعود الحكومة لتخفيف القيود بضغوط دولية تستوجبها مبادئ التجارة الدولية التي تحصد سنويا من خلال تجارة الأنترنت ما يصل إلى 5 تريليون دولار ، أي أن الدولة التي ستقيد هذه التجارة ، أو ستنظمها إن شئتم ، ستذوق وبال تخلفها عن الركب العالمي بعقود وهو ما لا نعتقد أن الحكومات الرشيدة في الأردن تريده .
في ظل كورونا ، والانكماش العالمي لجأ الناس لهذه التجارة التي هي أرخص سعرا وأكفأ وصولا ليد المستهلك أو الزبون بعيدا عن تعقيدات النقل البحري والبري ، بحيث بات أي انسان قادرا على شراء أي شيء يتناسب معها من خلال الأنترنت ومن اي مكان على ظهر الكوكب ، وكما هو معروف ، فإن المنافسة تجلب انخفاضا في السعر ، ولذلك تم رواج هذه التجارة بسرعة الأنترنت نفسه، وإذا تعلق الأمر بما يدعيه الخصوم التقليديون فإن هذه الشركات أو المؤسسات أو حتى الوكالات بإمكانها هي أيضا الاستفادة من هذا النوع من التجارة كما يستفيد الأفراد أو الشركات التي تمارسها ، ولكن المخاوف التي نقرأها هي كلمات حق يراد بها باطل .
ولكي لا يفهمني أحد بالخطأ ، فإني بكل قناعة مع تنظيم هذه التجارة ولكن ليس على الطريقة التي يروج لها البعض مطالبين بأن تشرف عليها وزارة الصناعة والتجارة أو غيرها ، بل أن يكون هناك جهة رسمية للتوثيق والحماية والرقابة وهذه حقول تدر أموالا على الخزينة لكي لا يتم تجاوز القوانين المرعية ، ولكن دون أن تتدخل في العمليات التجارية من قريب أو بعيد ، أما إذا قيل بأن التجارة التقليدية هي التي تنتج الموازنات في الدول المختلفة فإن هذا لا يعني أن هذه التجارة سوف تنقرض ، بل ستبقى الأساس لكل العمليات التجارية في كل مكان إذا اخذنا في الاعتبار ان التجارة الالكترونية تعتمد في الأغلب على النقل الجوي ، وبإمكان الحكومة مواكبة العصر ، فبدلا من أن تضع قيودا بإمكانها الاستفادة منها بما يقضي على البطالة ، بينما تظل التجارة التقليدية هي السائدة بحكم التماس مع المستهلك والزبون والانسان عموما .
كيف ؟ ..
نفهم سعي الحكومة لإيجاد ايرادات جديدة ، ولكن عليها أن تتذكر أن خريجيها العاطلين عن العمل يبلغ تعدادهم سنويا ما يناهز 50 ألفا وبأن التجارة الألكترونية التي يعمل بها الآن آلاف الشباب والشابات الأردنيين تدر دخلا بلا شك وبوسائل معروفة لا مجال لذكرها ، وهي الوسيلة الفضلى لاستيعاب المزيد من الخريجين والعاطلين دون أن تدفع الحكومة قرشا واحدا ، وجميعنا يتذكر كيف يتم الآن قوننة عمل ربات البيوت اللاتي يسترزقن من بيوتهن ويطلب منهن تسجيل مهنتهن لدى البلديات المختلفة ، وهذا يعني أن على الحكومة ، حين تسن قانونا للتجارة الألكترونية ، أن لا تنظر فقط لجيوبها المثقوبة ، بل لجيوب الناس الفارغة أصلا ، لأنها إن فعلت ذلك فسوف تصبح ايراداتها صفرا مكعبا ، وحينها " دبرها يا مستر ديل بلكي على يدك بتحل ".
حمى الله الأردن .
د.فطين البداد