نفط في صخورنا وصخور في عقولنا
أثار موقع (المدينة نيوز) زوبعة إعلامية عندما عرض فيديو مصوّرا للخبير النفطي والاقتصادي الدكتور ممدوح سلامة الذي تنبأ فيه بافلاس الأردن في العام ٢٠١٥إن لم يأخذ بنصيحته .
أعقب سلامة مقال للصحفية داليدا العطي التي اعتبرت أن المحاذير والمخاطر التي حذّر منها الدكتور سلامة إن لم يتم الاستماع إليها وتفاديها ومعالجتها فستكون العاقبة وخيمة وستكون النهاية التي لا يريدها أحد للوطن الذي لو ضاع فسنضيع كلنا معه وبدون استثناء..
وحيث أنني لا أكتفي بقراءة الخبر المنشور فقط بل ألتفت إلى تعليقات القراء أيضاً سواء من الأردن أو الوطن العربي على حد سواء، ( وهذه هي ميزة الاعلام الالكتروني ) فقد لفت انتباهي ، وأحيانا حيرتي ، بعض المعلقين سواء باستهزاء بعضهم من الحكومة والمسؤولين أو بإعطائهم التبريرات عما أسماه بعضهم " أجندات خارجية "أو ضغوطات تستهدف البلد ، أو أنها، أي الحكومة، مشغولة بتهدئة البيت الداخلي من المظاهرات والاعتصامات التي تطالب بالاصلاح.. وأيضا لفت انتباهي استنكار مواطن عربي شقيق طرح الموقع الأردني موضوعاً عن إعمار الأردن بينما الدول العربية الشقيقة فيها أطفال ونساء وشباب يموتون في سبيل الحرية وغير ذلك من تعليقات متضادة وأحيانا متآلفة حيال إعلام أردني : " المدينة نيوز " و " عالم أردني " : ممدوح سلامة الذي له حق كبير علينا بأن نفتخر به ونقدره قدره الذي يستحقه ..
الدراسات والتحذيرات التي قدمها العالم الاردني كانت قد بدأت، كما قال، منذ عام ١٩٩٨ ، وأما الاعتصامات في الشوارع الأردنية فهي وليدة هذا العام ، وهي اعتصامات ذات مطالب محقة في الاصلاح ومحاربة الفساد وتصب جميعها في النهاية في مصلحة المواطن الأردني وحاجته للعيش الآمن الرغيد ، وهذه مطالب تتحقق إن أصخنا السمع والفؤاد ، وأخذنا بنصيحة استخراج النفط من الصخر الزيتي الأردني الذي يعتبر من أجود أنواع الصخور الزيتية في العالم وتحتل الأردن فيه المرتبة الثالثة عالمياً.. وليس هذا فقط ، بل علينا إنتاج ما يزيد عن احتياجات الأردن لنصبح من مصدري هذه السلعة التي تتحكم بالدنيا بأسرها فنتحول من " شحادين " إلى " واهبين " وتتبدل صورتنا من : اليد السفلى إلى اليد العليا ، وإن تحقق لنا ذلك ، وحري به أن يتحقق ، فإننا سنزيل العبء المالي والاقتصادي المتزايد على الأردن والذي لو استمر فإنه لا مندوحة عن الإنهيار الإقتصادي وإفلاس البلد وضياع كل شيء لا سمح الله ، وهو ما نخشاه وما لا نتمناه إلا لأعداء بلدنا وشعبنا ..
أما ما يتذرع به البعض من أن هناك أجندة أجنبية تحول بيننا وبين أن نستخرج نفطنا من صخورنا فإن هذه حجة نتذرع بها لنعلل عجزنا عن المضي في مسيرة الاصلاح والتطوير التي ننشدها ، وهي حجة واهية بالية تشبه تماما حجة الزعماء العرب الفاشلين الذين يتهمون حراك شعوبهم في الربيع العربي بأنه حراك مدعوم بأيد خفية ، وله أجندات أجنبية ، وبأنه حراك غايته النيل من أمن واستقرارالبلاد والعباد : فكم من رئيس عربي اتهم احتجاجات شعبه وهتافاته بأنها " مؤامراة خارجية " قد تكون أميركية وصهيونية بل و " فضائية " حتى .
وأما عن استنكار أشقائنا العرب حقنا في إعمار وطننا ، فنحن لم ننكر عليهم حقهم في ثوراتهم ومطالبهم المشروعة بالحرية والكرامة وفي بناء الدولة المدنية الديموقراطية التي لو تحققت فستعمر أوطانهم وأوطاننا وسيعمنا الخير جميعا .
لقد وقف الشعب الأردني قلباً وقالباً مع إخوانه العرب في كافة قضاياهم ونضالهم لتحقيق الحرية ولإرساء مبادئ العدالة والمساواة والديموقراطية، ونحن اليوم - كأردنيين - نسعى لإيجاد الحلول لمشاكلنا ، ونسعى لإعمار واستقرار بيتنا الداخلي ، وإن تحقق لنا ذلك ، نكون جاراً قوياً يعتد به ويُعتمد عليه ..
وبالعودة إلى بيت القصيد في مقالي لهذا الأسبوع ، ، فإنني أسأل بألم : ألا يستحق نفط الأردن المُكتشف وغير المستخرج أن نقف أمام ما قاله دكتور بحجم الدكتور سلامة وقفة صمت تسبق عاصفة المبادءة والمبادرة بالفعل والعمل والحركة الدؤوبة ؟.. وإذا كان الدكتور سلامة مبالغا في ما قال كما قد يقول البعض ، أفلا يستحق أمر كهذا أن تعلن له حالة الطوارئ الوطنية ، شعبا وحكومة : فنبدأ وفورا بالتحقق مما قال ، لكي لا نكون " كالنعامة " التي تخفي رأسها في الرمل معتقدة أن الصياد لا يراها ؟؟ ..
لماذا نفتقر - كشركات ومؤسسات وحكومات في الأردن بل وكأفراد حتى - إلى التخطيط ورسم الأولويات المبنية على استراتيجيات بعيدة المدى ..؟؟ ..
لماذا لا نقف " اليوم " أمام ما قاله الدكتور وقفة جادة وحقيقية و " عليها العين " لكي لا نندب حظنا " غدا " ، ونلطم وجوه أنفسنا أو وجوه بعضنا البعض غيظا وندما وكمدا وضيقا ويأسا ، لماذا لا نبحر والرياح معنا : " أمامنا عدة سنوات " .. لكي لا نضيع في متاهة بحر لـُجّي من فوقه ظلمات ومن تحته ظلمات ، وبالتالي : فإن كل أشرعة الدنيا لا تنجينا من غرق محتم وسقوط إلى القاع !! .
الأردنيون قادرون على النجاة ، و " الطوق " موجود ..
فلنرتد الطوق إذن ، ولنبحر بثقة .
د. فطين البداد