لا تطالب بما أنت ضده ولست عليه
ضجت الأردن مؤخراً وخصوصاً الوسط الاعلامي الأردني بقضية الاعتداء على الصحفيين من قبل قوات الأمن الأردني يوم الجمعة بتاريخ 15 – 7 – 2011 في ساحة النخيل وسط العاصمة " البلد " أثناء تغطية الاعلاميين للاعتصامات والمسيرات هناك، مما آثار استنكار الصحفيين والاعلاميين وحفزهم للإعتصام يوم الجمعة الماضي 22 – 7 – 2011 في ساحة النخيل أيضاً تنديداً بهذه الاعتداءات فيما سمي بـ " جمعة الكرامة وحرية الاعلام " .
كذلك اجتمع جلالة الملك عبد الله الثاني بنقيب الصحفيين الأردنيين طارق المومني ليستوضح منه تماماً الرواية كما وقعت مؤكداً رفضه لما تعرّض له الصحفيون ودعمه الدائم لحرية الصحافة التي سقفها السماء في الأردن ضمن المعايير والمسؤوليات الوطنية..
وأحب أن أنوّه هنا - كي لا أبدو منحازا أو مدافعا عن أجهزة الأمن - أن هذا السلوك من قبل البعض من رجال الأمن تجاه الصحفيين والاعلاميين سلوك مرفوض تماماً وأبداً..
كما أنني لا أقصد في مقالي لهذا الأسبوع الاعلام الأردني بإطاره العام ، فهو اعلام حر حرفي يمتاز بالمصداقية والشفافية والموضوعية وله دور كبير في إيصال الصوت والصورة والكلمة إلى الناس وفي نقل المعلومة والمساهمة في معالجة قضايا الوطن من أجل تحقيق مسيرة الإصلاح الشامل وبناء مستقبل أفضل للأرن . : فكم من اعلامي صاحب كلمة صادقة وصحفي صاحب قلم حر، ولكن - في المقابل - كم من اعلامي وصحفي يستغل هذه الحرية المقدسة التي خصّنا بها جلالة الملك ، بحيث يجير البعض هذه الحرية لتصفية حساباته الشخصية لدوافع مغرضة وغايات ذميمة .
ولعلَّ هذه الفئة لا تفهم معنى الصحافة ورسالة الصحفي الحقيقي، ولعلّها لا تعي أساساً مفهوم الحرية التي أكد جلالته عليها مراراً وتكرارا من خلال إتباعها بصفة " المسؤولة " مؤكداً على ضرورة احترام الصحفي أيضاً لواجباته وللمقدسات الوطنية وأهمها " الوحدة الوطنية " التي يتميز بها الأردن الزاخر والزاهر بهذه الفسيفساء الجميلة ، حيث يعيش الجميع متناغماً متجانساً متكاملاً رافعاً أسمى وأغلى الشعارات: كلنا الأردن.. كلنا فداء لهذا الوطن الغالي الذي يأتي أولاً متجاوزاً كل الانتماءات والأعراق والأحزاب والطوائف ، وطنٌ له منا أن نفديه بدمائنا ونخاف عليه ونحميه من أي إثارة أو نعرّات قد تؤدي إلى خرابه وضياعه لا سمح الله .
من هنا تأتي مهمة الاعلام الحر المسؤول ، ويأتي عمل الصحافة في تغطية الأحداث والفعاليات الاجتماعية والثقافية والسياسية والإقتصادية ونقل الوقائع بشفافية وموضوعية والالتزام بالحقيقة وبالأخلاق المهنية الرفيعة التي يجب أن يحافظ عليها الصحفي حتى في سلوكه اليومي فهو يحمل رسالة سامية ونبيلة .
وفي الأحداث الأخيرة، فإن ما صدر على لسان أحد الاعلاميين الذي ينتمي إلى مؤسسة اعلامية محترمة لا يمت بصلة لما يُفترض أن يكون عليه سلوك الاعلامي المسؤول الحر الذي يعمل لصالح مؤسسة يُفترض أن تحترم مشاهديها وتصون رسالتها.. بل إن ما نطق به لسانه من تهديد ووعيد بالانتقام وباستقدام أهالي الكرك ومعان لحرق عمان، يُعتبر سلوكا طائشا لا تبرره حالته العصبية نتيجة الضغط الذي كان يتعرض له ، فمن يمتلك مثل هذا الفكر لا يستحق أن يكون وجهاً اعلامياً للأردن ينقل الوقائع والأحداث الأردنية من على أرض الأردن إلى العالم..
ولا أظن أن أيّاً من أهلنا في معان والكرك، أهل النخوة والشهامة، أهل العز والكبرياء ، سيرضى أن يكون وسيلةً للانتقام من إخوته في الوطن أو أن يكون شريكاً في هذا الهذر.
وعليه ، فإن هذا السلوك مرفوض تماماً من قبل أيّ كان، فكيف من اعلامي يجب أن يحترم واجباته ويصون وطنه وأهله وناسه ومهنته قبل أن يُطالب بحقوقه..
هي معادلة بسيطة إذن : لا تُطالب بما أنت ضده .
لا تطلب الاحترام والكرامة وأنت تنادي بقتلٍ وذلٍ وحرقٍ ودماء .
لا تلوّث مهنة الاعلام ورسالته السامية بأفعالٍ وأقوالٍ مشينة .
لا تطلب الثقة وأنت لم تصنها .
لا تعتصم وتستنكر من أجل الحريات والاصلاح ومحاربة الفساد وأنت تدعو إلى الاقتتال بين أبناء الوطن الواحد،
لا تنادي بكشف الحقيقة وأنت تشوّه الواقع وتزيّف الحقائق،
لا تنادي بشعارات تنسفها نفس حنجرتك بنفس أوتار صوتك .
لا تنقل الصورة والكلمة وأنت غير جديرٍ بقدسيتها.
د. فطين البداد