الأردن يرحب بكم

تم نشره السبت 30 تمّوز / يوليو 2011 10:11 مساءً
الأردن يرحب بكم

بعد زيارة قصيرة للأردن وخلال رحلة العودة ، لفت نظري ازدحام مطار الملكة علياء الدولي بالمسافرين، كانت الطائرة المغادرة من عمان إلى دبي مزدحمة هي الأخرى دون وجود أي مقعد شاغر ، وكان معظمهم من الأردنيين. وعندما سألت مدير المحطة عن السبب أخبرني عن الغلاء الفاحش في الأردن الذي يعاني منه الزوار سواء كانوا من أبناء الوطن أو غيرهم والذي يتجلى في كافة المرافق والمؤسسات من مواصلات وكهرباء ومياه وحتى الطعام والحاجات الأساسية اليومية ...
هم أبناء الوطن إذن العائدون إلى أوطانٍ بديلة اختاروها مؤقتاً ليبنوا مستقبلاً أفضل لهم ولأولادهم، حاملين معهم حلم العودة والاستقرار في أرض الآباء والأجداد ...
شبابٌ وعائلات جاؤوا إلى الأردن ليقضوا فيها إجازتهم الصيفية بعيداً عن متاعب العمل والحر الشديد في دول الخليج ، ليستمتعوا بلمة الأهل والأقارب ولقاء الأصدقاء والأحبة وجلسات السمر والسهر في مقاه ومطاعم وكافتيريات ، والتنزه في شوارع مدنهم الأردنية التي يحملون لها في قلوبهم أجمل الذكريات ...
ولكن الإجازة تخونهم ، هكذا اكتشفوا ، ويكتشفون ، عندما تُفرّغ جيوبهم من كل قرش فلا يعود باستطاعتهم الاستمتاع لا بفنجان قهوة ولا بجلسة أصدقاء ولا حتى بلمة الأهل.
هو رب العائلة القادم من دول الخليج التي يعمل فيها بجد ليل نهار طوال السنة كي يحظى بإجازته السنوية في بلده بين أهله وناسه، إجازة تزيل عنه الهموم وتفرح قلبه وقلب أولاده وقلب الجدة الذي مزّقه الشوق والغربة : غربة أبنائها وأحفادها الذين ربتهم بتعب وجهد جهيد ، تعب القرش فوق القرش كما يقال ، حتى تفرح بهم في شيخوختها بلمتهم وضحكاتهم من حولها، تودعهم مرةً أخرى وإلى لقاءٍ قادم مع أنها لا تعلم ما إذا كانت ستبقى وفيّة للوعد والموعد .
إن هذا المواطن الأردني الزائر في بلده ، وما إن تنتصف الإجازة حتى يبحث في جيبه عن دينار واحد فلا يعثر عليه رغم ما خطط ونظم وحسب له طوال السنة، ولكن لا جداول حسابية باتت تنفع ولا آلات حاسبة باتت تجدي فكل ما في الجيب قد ذهب أدراج الرياح ، وكل خطة لقضاء رمضان إلى جانب العائلة باءت بالفشل.. فلنعُد إلى الرحال إذن ، ولنعد أدراجنا إلى ديارنا المؤقتة وعملنا ، وإلى اللقاء في صيفٍ قادم .
وصادف أن التقيت في الطائرة بأحد المعارف من دولة الامارات كان في زيارة إلى الأردن مع عائلته، وبحكم الواجب وأصول اللباقة واللياقة سألته عن زيارته وهل استمتع بها؟؟ ففوجئت بجوابه الذي صعقني حيث قال " إنها زيارته الأولى للأردن ويبدو أنها ستكون الأخيرة " .
وعندما استفسرت عن الأسباب شكا من سوء معاملتنا للسائح وخصوصاً الخليجي ، وما تعرض له شخصياً هو وعائلته من محاولات للنهب والاستغلال التي أزعجته ولم تشعره بالراحة والاطمئنان، هذا إضافةً إلى مفاجأته بالغلاء الفاحش في الأردن، وكيف أن بعض المطاعم والأماكن الترفيهية ترفض إدخال الخليجيين بزيهم العربي الذي يشكل جزءاً من هوّيتهم، وأنه حتى الناس العاديون في الشوارع فإنك تتعامل معهم وكأنهم من كوكب آخر ، هكذا قال ، فهم عندما اختاروا الأردن لقضاء الإجازة فإنهم اختاروه لأنهم يحبونه ويكنون له ولشعبه كل الود والاحترام..
حقيقة ، لقد ساءني ما سمعت ، وأشعرني بالحرج الشديد من سلوك البعض من أبنائنا الذين لا يمثلون سوى أنفسهم، فالأردن بلد عريق تعاقبت عليه حضارات عديدة ، ولطالما عُرف الأردنيون بنخوتهم وكرمهم وحسن استقبالهم لضيوفهم وزوارهم.
إن هذه الأخلاق التي قوبل بها هذا الأخ العربي لا تمت للأردنيين بصلة وإنما هي سلوكٌ شاذ من قبل البعض الذين أرجو أن يكونوا قلة قليلة ، فأنا إيماني كبير بأخلاق ومبادئ شعبي الأردني الأصيل..
وأما إيماني بالحكومة الأردنية التي لا تحرك ساكناً أمام غلاء الأسعار والحياة المعيشية التي يعاني منها المواطن قبل الزائر، فقد بات يشوبه استفهام عميق ، وتعجب أعمق ، وأسألها هنا : هل تريدون الأردن خاليا من أبنائه وزوّاره؟! .
إذا كان الزائر المفترض به أنه قادمٌ للسياحة والاستمتاع والرفاهية يعاني ويشكو من حال البلد وارتفاع الأسعار، فكيف هو حال المواطن المقيم الذي يشقى ويتعب ليؤمن لقمة العيش؟ كيف هو حاله قبل رمضان ، وكيف هو وقد حل رمضان ؟؟ .
على الحكومة أن تتفهم احتجاجات الشارع التي تتزايد حدتها ووتيرتها يوماً بعد يوم تطالب بالاصلاح ومحاربة الفساد ، لا أن تستنكر هذا الغضب الشعبي العارم الذي ينادي بالكرامة والعدالة الاجتماعية..عليها أن لا تتجاهل مطالب المحتجين نحو أردن الخير والأمان والاستقرار.. لا أن تنأى بنفسها عن الفعل والمبادرة والإستجابة والإسراع في التخطيط والتنفيذ..
كأني بالحكومة تقف على جانبٍ وقد بنت حولها سوراً عاليا طوّقت نفسها به فأصبحت لا ترى ولا تسمع أبعد من حدوده .. وأما الشعب الأردني الذي يفترض أن تكون معه وله فإنه يقف في جانبٍ أخر ينادي بوطن العزة والكبرياء ، لا بوطن العوز والفاقة .
حكومةٌ أُعطيت كل الفرص وكل الإمكانيات وكل الثقة وينتظر منها شعبها أن تكون على قدر المسؤولية والواجب ، غير أنها تأبى أن تستجيب لنداء الوطن والشعب.
ماذا يريد الأردنيون ؟
إنهم يريدون وطنا يحقق أحلامهم ويلبي احتياجاتهم ويجسد أمنياتهم ويتسع للجميع .

 

د. فطين البداد       

fateen@jbcgroup.tv

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات