قرار النواب حول الانتحار
ضج الاعلام الاردني الاسبوع الفائت ولا زال بتعليقات ومقالات بالجملة تتناول قرار النواب بفرض عقوبة السجن والغرامة على كل من يحاول الانتحار في مكان عام ، وما أن انتشر خبر اقرار النواب لذلك حتى اشتعلت السوشال ميديا بالمقالات والتعليقات التي صبت جام غضبها عليهم ووقفت ضد هذا القرار ليدخل على الخط شخصيات عامة وذوات واطباء نفسانيون ومتخصصون اجتماعيون وغيرهم ، وجلهم رفضوا هذا القرار ، بل إنه وبعد تبرير المجلس لقراره من خلال اللجنة المعنية انتشر ما معناه أن اللجنة جاءت تكحلها فأعمتها بالمرة .
ولأنني كنت قد تناولت قضية الانتحار في المجتمع الاردني عبر مقال نشر في المدينة بتاريخ 11 تشرين الثّاني / نوفمبر 2018 طالبت فيه بدراسة هذه الظاهرة فإني لا اجد بأسا في إعادة ما كتبت لكونه يتساوق مع ما يجري الآن ، وتاليا نص المقال :
منتحرات ومنتحرون على جسر عبدون
لعل قراءة نفسية واجتماعية لاختيار البعض تنفيذ عمليات انتحار او التهديد بها سواء من على جسر عبدون ، او على غصن شجرة في موسم قطاف الزيتون ، أو غيرهما تفضي الى أن هؤلاء المنتحرين ، أو المحاولين كانوا يقصدون لفت الإنتباه اليهم واحداث ضجة لقضية كل منهم .
جسر عبدون في الأردن بات يشبه صخرة الروشة بلبنان ،او خزان بيدوك في سنغافورة أومترو انفاق لندن وكل هذه وعشرات غيرها اشتهرت كوجهات للمنتحرين ، وبالتأكيد لقضايا اخرى .
ولما شهد هذا الجسر وغيره من الأماكن عمليات انتحار متعددة ، وأخرى عمليات" تهديد " فقد يوشك اسمه على أن يقترن بهؤلاء الذين يقول متخصصون بأن أغلبهم يعاني من اكتئاب ، وكان بالإمكان عدم لجوئهم الى الانتحار لو توفر لهم العلاج .
المشكلة ، أننا نسمع ونرى ونقرأ عن هذه المحاولات ، أو عن عمليات الانتحار التي نفذت بالفعل ، دون أن يكون هناك في الجانب الآخر من يتعمق في هذا الملف لنعرف أين نمضي ، وهل بات الأنتحار ظاهرة في الاردن ، وإذا لم يكن كذلك ، فلماذا لا يكاد يمر شهر إلا و نسمع عن العثور على شخص منتحر اسفل الجسر ، أو شخص تم اقناعه بالعدول عن فكرته ، او شخص لف حبلا على رقبته في مكان ما ، مع أن ذوي الاختصاص ينبئوننا بأن قرار الإنتحار قرار صارم من قبل متخذيه ، لأن صاحبه فكر وقرر واستعد للتنفيذ وامتلأ بفكرة الموت دون أي التفات لأي كان ، وفي نفس الوقت ، فإننا نشهد محاولات الغرض منها هو لفت الإنتباه لقضية ما ، أو حاجة شخصية محددة ، أو حتى لمجرد العبث والاثارة . .
واللافت أن وزارة التنمية الاجتماعية ، لم تطلعنا حتى الآن على أي دراسة موضوعية علمية تكشف الأسباب الحقيقية لهذه " الظاهرة " رغم أنها " وزارة للتنمية الاجتماعية " لديها مرشدون ومرشدات واطباء ومراكز متخصصة ، وما يزعج هو أن الوزارة - وكما يبدو - استمرأت دورها الراهن الذي حولها الى " صندوق معونة " فقط ، ومراكز ايواء للاحداث المحكومين ومجهولي النسب ليس إلا .
إن على الوزارة أن تعي دورها وأن تأخذ هذه القضية على محمل الجد ، طالما أن مراكز الدراسات والجامعات لم تفعل ، وإن عليها أن تدرس الحالات حالة حالة ، لأن جل ما يقوله المتخصصون عنها بإنها ذوات أبعاد نفسية واجتماعية ، فهي - بالتالي - قضية من اختصاص وزارة التنمية وليس من اختصاص وزارة الزراعة !.
حمى الله الاردن .
د.فطين البداد