الاستثمار واتفاقيات التجارة الحرة
لأول مرة سأثني على أمر لم يثن عليه كثيرون ، وهو مصارحة الحكومة للأردنيين بأن الأيام القادمة ستكون أصعب مما هي عليه الآن ، وبأن رفع أسعار المحروقات سيتم شهريا خلال الشهور الأربعة القادمة بعد أن وصل سعر البرميل 120 دولارا ، بينما وضعت الحكومة موازنتها على 80 دولارا .
ثناء غريب عجيب أليس كذلك ، ولكننا طالما نادينا بمكاشفة الشعب عما يدور في الكواليس وجعلهم في صورة الوضع الاقتصادي بدون لف ولا دوران ، وهذه الجزئية فقط هي التي نثني عليها هنا ، لكي لا يذهب الذاهبون بعيدا .
أول من كشف عن التوجه لرفع الاسعار تباعا كان وزير الداخلية خلال لقائه مستثمرين بمدينة الحسن الصناعية في اربد قبل ايام ، حيث أكد وبدون رتوش وبشكل مباشر بأن القادم سيئ وبأن الأردنيين قادرون على تحمل ارتفاعات الاسعار في الفترة الحالية أكثر من الأيام القادمة على حد قوله ، وبأن الحكومة وبسبب تثبيت أسعار المحروقات خلال الثلاثة شهور الماضية تحملت مبلغ 450 مليون دينار وهي لن تستمر في ذلك .
وأرجع الوزير سبب هذه الصعوبات إلى كورونا والحرب الروسية على اوكرانيا مذكرا بأن الأردن يمر بظرف صعب شأنه شأن كثير من دول العالم التي تعاني بسبب التضخم والبطالة وغلاء الأسعار ، مختتما حديثه المباشر هذا بأن على المواطنين الأستعداد للأسوأ .
ولأن القضية كلها متعلقة بالإقتصاد ، فإن ما يستوقفك في كلام الحكومة ما قالته عن انها وقعت اتفاقيات للتجارة الحرة مع دول كثيرة "ولكن المستثمرين لم يستغلوا هذه الاتفاقيات" وفق قولها ، في أيحاء بوضع اللوم على المستثمرين ، مع أن الثابت في المعادلات الاستثمارية المعمول بها حول العالم أن المستثمر يذهب دائما للبيئات وللقوانين السهلة المحفزة وغير المعقدة ، فالأستثمار ليس مجرد دعوة واتفاقات تجارة حرة ، بل بما تقدمه الدول من بنى تحتية وتسهيلات ومعاملات بل وحتى تبادل خبرات وتحفيزات تصب كلها في صالح الأقتصاد عموما ، وفي صالح رأس المال الذي يعرف بأنه " جبان " فتتم معادلة " تبادل المنفعة " وخاصة لدى المستثمرين العرب والأجانب فكيف يحدث ذلك ومعظم هذه الشروط غير متوفرة في أغلب البلاد النامية ، ناهيك عن أن الاستثمار معني بقوانين الضرائب والضمان وقوانين العمل واسعار الطاقة المخفضة وغيرها ، فهل تمت معالجة ملاحظات كثيرة حول هذه البيئات لكي يقال بأن المستثمرين يحجمون عن الأستثمار .
القضية هي قضية عطاء في حال كان المستثمر أردنيا ، وهذا ما يفعله كثير من المستثمرين الأردنيين داخل البلد الذين ينظرون للمصلحة الوطنية أولا قبل مصالحهم وهذا واجب وطني يعتز به كل أردني ، ولكن هذا لا ينطبق على الآخرين الذين يريدون ما ذكرناه لكي يأتوا وينفقوا أموالهم في البلد وبالتالي يوفروا فرص عمل ويحركوا الاقتصاد ويرفعوا من ايرادات الدولة .
المعطيات المتوفرة تقول : إن عددا من اتفاقيات التجارة الحرة تم توقيف العمل بها فجأة وبدون سابق أنذار ما تسبب بخسارات فادحة لمستثمرين غير اردنيين أو اردنيين ، فهل لا تزال الاعتبارات غير الاقتصادية البحتة هي المحرك لهذه الأتفاقيات او المتحكمة بها ، وإلى أي مدى يمكن لمثل هكذا اعتبارات أن تدمر اي استثمار طالما أنه ليس من ضمانات ولو في حدها الأدنى بأن الاتفاقيات الحرة مع دول اخرى ستستمر لكي تستمر ماكينة الاستثمار بالدوران بدون معوقات أو قرارات مفاجئة ؟ .
إن على الأردنيين ان يراعوا ظروف بلدهم ويعلموا بأن العالم كله يمر بضائقة ، وفي المقابل ، فإن على الحكومات أن تكون واقعية وتتحدث بالمصالح العليا للبلد كما فعل الوزير في الجزئية التي أثنينا عليها بداية مقالنا ، ، ولكن دون أن يُتهم الأستثمارُ والمستثمرون بالتقصير .
حمى الله الأردن .
د.فطين البداد