عشيرة الشبيكات / الدعجــة

* رواية: الدعجة ينحدرون من نسل شبيب تُبَّع الحِمْيَري الذي فتح بلاد الشام في القرن الثاني الميلادي .

***************
عشيرة الشبيكات / الدعجــة
غازي الشبيكات

دخل الدكتور غازي حمد الله عايش الشبيكات نادي الوزراء كوزير للعمل في التعديل الذي جرى في 23 /2 / 2009 م على حكومة الرئيس المهندس نادر الذهبي المشكـَّـلة في 25 / 11 / 2007 م ، وبإشغاله المنصب الوزاري يصبح لعشائر الدعجة وزيران ، فقد سبقه إلى شغل المنصب الوزاري المهندس العميد المتقاعد حمَّاد محمد فليح أبو جاموس الذي ينتمي إلى عشيرة الجواميس وهي إحدى عشائر  قبيلة الدعجة ، وكان قد شغل منصبَ وزير التنمية الاجتماعية في حكومة الرئيس عبد الكريم الكباريتي المشكـَّلة في 4/2/1996م .
وتلتقي عشائر الدعجة مع العديد من العشائر الأردنية التي تتوزَّع في المناطق التي كان يُـطلقُ عليها اسمَ البلقاء في التقسيمات الإدارية في العهد العثماني (مادبا،عمان،السلط) تحت مظلة ما يعرف باسم عشائر البلقاوية ،  وهذه العشائر حسب ما أوردها كتابُ (مقدمة لدراسة العشائر الاردنية)  لمؤلفه الدكتور أحمد عويدي العبَّادي هي عشائر الغنيمات (أبو الغنم) والحديد والشوابكة والقرضة والثوابية والمصاروة والازايدة والنعيمات والدعجة والسويلميون والرقَّاد ، وتضيف مراجع أخرى عشيرة الدبايبة ، ومن هذه العشائر تمثلت عشائر أبو الغنم والحديد والدعجة في الحكومات الأردنية حيث شغل (6) من أبنائها المنصب الوزاري وهم :  النائب  المهندس حمَّـاد أبو جاموس (الجواميس / الرشايدة  / الدعجة) والدكتور غازي الشبيكات (الشبيكات / الدعجة) ، ونايف الحديد (الحديد / الأردن) وجواد الحديد (الحديد / فلسطين) ، وفوَّاز أبو الغنم (الغنيمات / أبو الغنم) .
نسب عشيرة الشبيكــات
يذكر الضابط الإنجليزي فردريك. ج. بيك في كتابه   تاريخ شرقي الأردن وقبائلها  أن عشيرة الشبيكات بطن من بلي من قضاعة ، وأنهم قدموا إلى البلاد منذ 300 عام (تاريخ تأليف الكتاب في عام 1934) ، وأن عددهم كان (أثناء إعداد كتابه) 150 نسمة ومنازلهم في أراضي طبربور في شمالي عمّان.
ويورد كتاب (الصفوة- جوهرة الأنساب- الأردن) لمؤلفه المحامي طلال بن الشيخ حسين البطاينة إسمي عشيرتين في الأردن تحملان إسم الشبيكات ، إحداهما عشيرة الشبيكات من عشائر البادية الشمالية في ناحية المفرق ، ويعودون بنسبهم إلى قبيلة عـنزة من الجبور من الطريف من السلقة ، والثانية عشيرة الشبيكات وهي فرقة من عشائر الدعجة ومنازلهم في طبربور التي قدموا إليها من الجزيرة العربية منذ أكثر من ثلاثمائة سنة (نفس رواية فريدريك بيك)  وهي العشيرة التي ينتمي إليها الوزير غازي الشبيكات ، ويذكر البطاينة أنهم يعودون بأصولهم إلى قبيلة بلي القضاعية الحميرية القحطانية .
ويذكر الأديب المؤرِّخ روكس بن زائد العُـزيزي في الجزء الرابع من كتابه (معلمة للتراث الأردني) أن الشبيكات يشكـِّـلون إحدى ثلاث عشائر يربطها  حلفٌ وتجمُّعٌ تآلفي تعرف باسم عشائر الدّعجة ، وهي عشائر الشبيكات والخصيلات (الإخصيلات) والجواميس (أبو جاموس) ، ويذكر العُـزيزي أن عشيرة الشبيكات قدمت إلى الأردن قبل نحو (350) عاماً ، وينسب إلى كبارهم قولهم إنهم يعودون بأصولهم إلى بلي من قضاعة .
ويتحدث الباحث عبد الحكيم الوائلي في الجزء الثالث من كتابه (موسوعة قبائل العرب) عن عشيرتين تحملان إسم الشبيكات، إحداهما فخذ من الجبور من المحمد من الطريف من السلقا من عنزة من العرب العدنانية ، والثانية من عشائر منطقة البلقاء بالأردن وهم بطن من بلي من قضاعة من العرب القحطانية .
ويذكر كتاب (العشائر الأردنية- الأرض والإنسان والتاريخ) لمؤلفه الدكتور أحمد عويدي العبـَّادي أن عشيرة الشبيكات/ الدعجة تتألف من عدة فروع هي الشواربة والربايعة والبشر والفقراء والشبيكيين والهيايتة والهبارنة ، بينما يذكر موقع شباب الأردن الإلكتروني أن عشيرة الشبيكات  ومقرها الأساسي في طبربور / أبو علياء تتألف من الحمايل التالية : المرزوق ، الهبارنة ،  الهباهبة ، الشبيكي ، الشواربة ، الدعسان ، الهدبان ، الكوشه ، البشر ، الفقرا ، الربايعة ، النصر ، الحنيشي ، البنيان ، الهيايته .
ويتحدث موقع منتديات البدو الإلكتروني عن عشيرة من قبيلة السردية تحمل إسم الشبيكات أو الشبيكة وينقسمون إلى عدة عشائر هي : الدبيس ، المسيب ، الدلماز ، الصريخات ، الدوجان ، المريان ، العواض ، ولكن الموقع لم يتطرق إلى وجود أو عدم وجود صلة قرابة بين شبيكات الدعجة وشبيكات السردية ، والأرجح أنهما يلتقيان بالأسم فقط ، والله أعلم .

نسبُ عشائر الدعجة
يوردُ كتابُ (قاموس العشائر في الاردن وفلسطين) لمؤلفه الباحث حنا عمَّاري روايتين عن جذور عشائر الدعجة ، تقولُ الرواية ُالأولى إنَّ الدعجة ينحدرون من أسرة شبيب تـُـبـَّـع  الحِـمَْـيَـري الذي فتح بلاد الشام في القرن الثاني الميلادي ، وإنَّ عشائر الدعجة تضمُّ عشيرة الشبيكات (الهبارنة،الكوشة،الهباهبة،المرزوق ،الربايعة، الدعسان ، النصر ،البشر ،البنيان ، الحنيشي ،الهيايته ،الشبيكي ،الفقرة) ، وعشيرة الرشايدة (الجواميس ،الزغاتيت، العبوس ،البرايسة ،الهملان ،العايد ،الهيايلة ،الشريدة ،المسند ،القناوي ،النواوي ،المصاروة ،العرجان ،العطاعطة ،الأبير ،الحميديين ،الصفيري ،الكساب) ، وعشيرة الخصيلات (الغرير ،الدروع ،الجربان ،الجحيش ،المليفي ،الحنايفة ،المهيرات ،أبو سويد) .
وتقولُ الرواية ُ الثانية ُ التي يوردها كتابُ (قاموس العشائر في الاردن وفلسطين) لمؤلفه الباحث حنا عمَّاري  إن عشائر الدعجة من عشائر بلاد الشام ، وهم بطنٌ من قبيلة بني صخر ، ويتألفون من ثلاثِ فرق ٍ يربطها حلفٌ وتجمُّعٌ تآلفي ، ولا تمتُّ الى بعضها بصلة قرابةٍ  ، وهذه العشائر هي عشيرة الشبيكات الذين يقولون إنهم من بلى من قضاعة وسكنوا الأردن في منتصف القرن السادس عشر الميلادي ، وعشيرة الخصيلات بفرعيها الغرير والهملان ، ويعود الغرير في أُصولهم الى عرب إبن معجل من الأشاجعة ويتبعهم عشيرة ُالمليفي الذين هم أيضا من عرب ابن معجل في نجد ، ويعودُ الهملان بأصولهم إلى العمرو في الكرك ، وعشيرة ُالجواميس الذين ارتحل جدُّهم أحمد من الجولان الى البلقاء ومنازلهم في طبربور ، ويوردُ عمَّاري إسمَ عشيرةٍ فلسطينية تحملُ اسمَ الدعجة (الدعاجنة) تسكن في بلدة يطا في منطقة الخليل ، ولكنه لم يتطرَّق الى وجودِ او عدم وجودِ علاقة بين دعجة فلسطين ودعجة الاردن .
وينقلُ كتابُ (تاريخ شرقي الأردن وقبائلها) لمؤلفه فريدريك .ج . بيك عن كتاب (سبائك الذهب) للسويدي ، وعن كتاب (بلوغ الأرب) للقلقشندي أنَّ عشائر الدعاجنة (الدعجة) هم بطنٌ من بني صخر من جذام ، ويذكر بيك أنَّ عشائر الدعجة تضمُّ ثلاث عشائر لا تمت ُّإلى بعضها بصلة القرابة وهي عشيرة الشبيكات وعشيرة الخصيلات (الغرير،الهملان) وعشيرة الجواميس ، وتتألفُ كلُّ عشيرة من مجموعةِ عشائر وحمائل وعائلات كما يلي :
مجموعة العشائر الاولى (الرشايدة) ومقرُّها ماركا الشمالية وماركا الجنوبية (منطقة النصر حاليا) ويتفرَّع ُعنها العشائر والحمايل التالية : الجواميس ،           الزغاتيت ، العطاعطة ، البرايسة ، العبوس  ، العايد  ، الهملان ، المسند      ،  النواوي ، القناوي ، الأوبير ، الهيايلة ، المصاروة ، البادي ، الطلاس ، العليوي ، الحميدين ، الهواسا ، الخليف ، الشميلان ، الابراهيم ، الصقيري      ،  العرجان ، المواصلة ، الحذوات .
أما المجموعة الثانية (الشبيكات) ومقرُّها الرئيس في طبربور / أبو علياء فتتألفُ من العشائر والحمايل التالية  : الشواربه ، الهباهبة ، الهبارنة ، الشبيكي      ،  المرزوق ، الدعسان ، الهدبان ،  الكوشة  ، البشر ، الفقرا ، الربايعة ،  النصر ، الحنيشي ،  البنيان ، الهيايته .
أما المجموعة الثالثة (الخصيلات ويطلق عليها العُـزيزي إسما آخر هو الإخصيلات) ومقرُّها الرئيس في مناطق أم قصير والحسينية والمقابلين وتتألفُ من العشائر والحمايل التالية : الغرير ، الجربان ، الدروع ، المليفي       ،  المهيرات ، الجحيش ، الشعرات ، الحنايفة ، الهملان .
 ويُشير الأديبُ المؤرِّخُ روكس بن زائد العُـزيزي في الجزء الرابع من كتابه (معلمة للتراث الاردني) الى أنَّ عشائر الدعجة أخذوا إسمهم  من عشيرة ٍتحمل الاسمَ نفسه من الصدعان من شمَّـر طوقه ، وليس من الدعاجنة وهم بطنٌ من بني صخر ، ويخالفُ العُزيزي بهذه الروايةِ الروايةَ َ التي نقلها فريدريك .ج. بيك عن السويدي والقلقشندي التي تنسبهم الى بني صخر من جذام .
*************

 من بريدي الإلكتروني

حول عشيرة الفريحات
الأستاذ زياد أبو غنيمة المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أتابع حلقات دراستكم التي تنشرها (المدينة) الغرَّاء عن وزراء العشائر والعائلات في الحكومات الأردنية وعن جذورها ، وأحب أن أذكركم بأن عشيرة الفريحات من العشائر الأردنية الكبيرة وأتمنى أن تكتب عنها .
عامر الفريحات
ملاحظـــة :
    في سياق حديثي عن وزراء تجمُّـع عشائر المقدادية تحدثت في حلقتين سابقتين (15 /8 / 2006 م  و 22/ 8 / 2006م)  عن وزراء عشيرة الفريحات وآل دروزة وآل الشرابي وآل إرشيد ، وذكرت أنه بعد سقوط الحكومة العربية في دمشق برئاسة الملك فيصل بن الحسين التي كانت تتبع لها مناطق شرقي الأردن تشكـَّـلت في هذه المناطق حكومات محلية قبل تأسيس الإمارة ، وكان من بين هذه الحكومات حكومة ناحية عجلون التي ترأسها الشيخ راشد الخزاعي الفريحات ، ثمَّ ترأسها لبضعة أشهر علي نيازي اليوسف التل، كما ذكرت أن المحامي عبد السلام الفريحات  شغل المنصب الوزاري في حكومة الرئيس طاهر المصري المشكـَّـلة في 19/6/1991م وزيراً للدولة للشؤون البرلمانية ، وكانت مشاركته في الحكومة كممثل للكتلة النيابية الإسلامية المستقلة التي مثلها في نفس الحكومة أيضاً الدكتور عوني محمد البشير العواملة ، وكانت الكتلة الإسلامية المستقلة في مجلس النواب تضمُّ آنذاك النواب السادة محمد العلاونة و جمال الصرايرة عاطف البطوش ومطير البستنجي .
ويتمركز وجود عشيرة الفريحات في منطقة عجلون وجرش وخاصة في كفرنجة وراجب وجزازة والحسينيات ونجدة ، ويذكر أحد أبناء العشيرة الباحث خالد زكي الفريحات في مخطوطة يعدّها للطباعة عن عشيرته أن جذور عشيرة الفريحات تعود إلى قبيلة (اللهيب) التي لها امتدادات في العراق وسوريا ولبنان وشمالي فلسطين ، وتعود قبيلة (اللهيب) بجذورها إلى قبيلة الجبور العراقية التي سميت باسم الجبور نسبة لاسم جدِّها المؤسِّس السلطان محمد بن جبر الذي ترجع بعض المراجع نسبه إلى الصحابي الجليل عمرو بن معدي كرب الزبيدي الذي ضُربت بشجاعته الأمثال حتى قال فيه الشاعر :
    إقدام عمرو في سماحة حاتم             في حلم أحنف في ذكاء إياس
    والصحابي الجليل عمرو بن معدي كرب هو الذي أرسله الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لنجدة الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص في العراق وبعث معه رسالة يقول فيها : (أرسل لك عمرو بن معدي كرب بألف فارس) .
أما عن تشكيل عشيرة الفريحات في الأردن فيذكر الباحث خالد زكي الفريحات في مخطوطته أن ثلاثة أشقاء هم فريح وفرح ومقداد قدموا من مضارب قبيلتهم اللهيب في العراق إلى الأردن في منتصف القرن السادس عشر الميلادي ونزلوا أول الأمر على سيل الزرقاء قرب قصر شبيب ، وبعد وقت تفرَّق الأخوة فارتحل فرح إلى منطقة حسِّية وفارة في سوريا واستقرَّ فيها ونسل منه نسل تشكـَّـلت منهم عائلة تعرف إلى الآن بعائلة الأغوات ، أما مقداد فارتحل إلى بصرى ويقال لها أسكي بصرى بسوريا حيث تشكـَّـلت من أعقابه عشائر المقدادية التي توزَّعت فيما بعد على مناطق مختلفة في سوريا وفلسطين والأردن ، أما الشقيق الأكبر فريح فاستقرَّ في خربة الوهادنه في جبل عجلون وتزوج ابنة شيخ عشيرة الخطاطبة ، ولم يلبث أن خلفه بعد وفاته في زعامة المنطقة وتشكـَّـلت من أعقابه عشيرة الفريحات التي لا تزال مستقرة في منطقة عجلون وجرش ، وارتحل أحد أبناء فريح واسمه فروح إلى فلسطين واستقرَّ في اليامون في منطقة جنين وتشكـَّـلت من نسله عشيرة الفريحات في فلسطين .
ويُـعزِّز الدكتور محمود محسن المهيدات في كتابه (عشائر شمالي الأردن) الرواية التي تردُّ الفريحات إلى أعقاب فريح الذي تعود جذوره إلى قبيلة اللهيب من الزبيد من طيء اليمنية القحطانية ، ويصف المهيدات عشيرة المهيدات بأنها من أكبر عشائر عجلون وأقواها وأشدها بأساً وتتمركز في كفرنجة .
ويُعزِّز فردريك. ج. بيك في كتابه  تاريخ شرقي الأردن وقبائلها  الرواية التي تردُّ الفريحات إلى قبيلة اللهيب من الزبيد من القحطانية اليمنية، ويروي نفس القصة  عن ارتحال الاشقاء فريح وفرح ومقداد من اليمن ، ولكن كتاب (القبائل العربية وسلائلها في فلسطين) لمؤلفه المؤرِّخ مصطفى مراد الدبَّاغ يورد رواية تردُّ الفريحات في منطقة عجلون إلى قبيلة الزبيد من سعد العشيرة بن مالك (مدحج) بن كهلان من اليمن، ويشير الدبَّاغ إلى أن عائلة الشرابي في نابلس تعود بجذورها إلى قبيلة الزبيد وتلتقي في هذا النسب مع عشائر الفريحات وآل دروزه وآل إرشيد ، وتورد دراسة للباحث أحمد صدقي الشباطات نشرتها مجلة أفكار التي تصدرها وزارة الثقافة في عددها رقم 187 الصادر في شهر أيام من عام 2004م أسماء شيوخ مشايخ عشائر شمال الاردن ويذكر من بينهم الشيخ حسن بركات أحمد بركات الفريحات كشيخ لمشايخ نصف ناحية الجبل والمعراض وكان مركزه في كفرنجة واستمر في الزعامة حتى وفاته في عام 1312هجرية(1894م) ،أما شيخ مشايخ النصف الثاني لناحية الجبل والمعراض فكان أيضاً من الفريحات  ولكن من فرع العبَّاس المقيم في الجزازة وهو الشيخ درغام (ضرغام) ابن فياض الفريحات الذي توفي في عام 1290هـ -1873م .
**********
إضافــــــة
الأكراد .. ملحمة مستمرة في الدفاع عن الإسلام

يذكر المؤرِّخ وصفي زكريا في كتابه (عشائر الشام) أن تاريخ الكرد هو سلسلة من الثورات وملاحم الدفاع عن الإسلام ، توَّجها البطل المسلم الكردي صلاح الدين الأيوبي بهزيمة الفرنجة في حطـِّـين وتحرير بيت المقدس من المحتلين الفرنجة ، ويذكر زكريا أن  واحدة من أهم هذه الثورات نشبت في مستهل القرن 13هـ قام بها رجل يدعى عبد الرحمن باشا ، فنادى باستقلال الكرد ، وراح يعمل لتوحيد جميع البلدان الناطقة بالكردية ، لكن الحملة التي جهزها والي بغداد بأمر الباب العالي أجهزت على هذه الحركة ، وأعاد الأكراد محاولاتهم بعد ذلك مرات عديدة ، وكان من هذه المحاولات الثورة التي قادها الشيخ سعيد مُـلا في ولاية ديار بكر سنة (1342هـ) في وجه مصطفى كمال أتاتورك ، تحت شعار الدفاع عن الدين الاسلامي ، واحتجاجا على إلغائه الخلافة الإسلامية ، ولكن ثورة الشيخ سعيد مُلا انتهت باخماد الثورة والقضاء عليها وتشريد رجالها والفتك بهم وإعدام العشرات من زعمائهاالذين اشتركوا فيها في ساحة ديار بكر بوقت واحد وفي مقدمتهم الشيخ سعيد .
ولم يكن الشيخ سعيد مُـلا سياسيا محترفا ولا عسكريا محترفا ، كان مسلما يملأ الإيمان قلبه ويدفعه إيمانه وحبه للإسلام إلى أن يضع كل ثقله العشائري كشيخ لأكبر القبائل الكردية في الأناضول التركي في صف التيار الإسلامي الذي كان يتصدى لمؤامرات الردة التي خطط لها أعداء الإسلام من يهود وأوروبيين ، ونفذها أتاتورك ويهود الدونمة والماسونيون ، وأسَّـس الشيخ سعيد مخُـلا الكردي  في عام 1919 حزبا إسلاميا أطلق عليه إسم (حزب انبعاث وحدة الإسلام) ، وأثار مولد هذا الحزب الإسلامي غضب مصطفى كمال اتاتورك فأوعز إلى أنصاره بنشر شائعات مفادها أن الشيخ سعيد ملا عميل إنجليزي  وانه شكـَّـل حزبه بتحريض من الإنجليز ، وتمكن أَتاتورك بما عُرف عنه من مكر وخبث من القضاء على (حزب انبعاث وحدة الإسلام) وتشتيت أعضائه ،  إلا أن ذلك لم يفتَّ في عضد الشيخ سعيد ملا الكردي فبقي على وفائه وحبه للإسلام وبقي مصمما على التصدِّي لمؤامرة الردة الكافرة وظل يتحين الفرص ليندفع ثائرا في سبيل الله في وجه اتاتور ، ولم تلبث الفرصة أن واتت الشيخ سعيد مُلاَّ حين أعلن اتاتورك إِبطال مفعول الخلافة في الثالث من آذار من عام 1924 ثم اتبع ذلك بإجراءات قمعية وحشية استهدفت طمس كل اثر للإسلام في تركيا فانطلقت ردود الفعل الإسلامية الغاضبة في معظم أنحاء تركيا تعلن رفضها لإجراءات الردة الكافرة ، وتمسكها بالإسلام دينا وشريعة وخلافة ، وأقضت الثورة  التي أعلنها الشيخ سعيد مُلا في الخامس من شباط من عام 1925 مضاجع اتاتورك ورأى فيها خطرا حقيقيا يكاد يهدم كل أحلامه في القضاء على الإسلام في تركيا ، وزاد من حنق اتاتورك أن يرى الجماهير المسلمة  تتدافع للإنضمام إلى الشيخ سعيد الملا الذي اتخذ لثورته راية خضراء مكتوبا عليها (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ، وانطلق الشيخ سعيد بجيشه الذي يتكون في غالبيته من المجاهدين في عشيرته الكردية الذين اشتهروا بالصلابة والعزم ، وتمكن من السيطرة على مناطق شاسعة حتى وصل إلى مدينة ديار بكر فحاصرها وكاد يسيطر عليها لولا أن اتاتورك سارع فقذف بكل ما لديه من قوات زاد تعدادها عن ثمانية فرق عسكرية كاملة التجهيز فقامت بتمشيط المنطقة تمشيطا كاملا واستعملت في تقدمها أبشع أساليب البطش والتنكيل بكل من يقع في قبضتها من المجاهدين الأكراد واضطر الشيخ سعيد مُلا أمام هذه القوة الغاشمة إلى التراجع إلى الجبال الوعرة ليبدأ من هناك شن حرب عصابات ضد قوات اتاتورك فاحكم اتاتورك الحصار حول الشيخ ومنع وصول أية إمدادات أو مؤن إليه فاضطر في النهاية إلى الاستسلام ، وفي ميدان ديار بكر الرئيسي انعقدت محكمة الطغاة لمحاكمة الشيخ سعيد مُلا وإخوانه فحكمت بإعدامه مع عدد كبير من إخوانه وأمر اتاتورك بان تبقى أجسادهم الطاهرة معلقة على أبواب مسجد ديار بكر الكبير ، وكان الشيخ سعيد ملا قد أظهر أثناء المحاكمة رباطة جأش لا يقدر عليها إلا أبطال من صنع الإسلام ، ويؤكد هذه الحقيقة المحامي سليم الصويص العربي النصراني في كتابه الذي ألفه بعنوان (اتاتورك منقذ تركيا وباني نهضتها الحديثة) ، حيث يقول المحامي سليم صويص : لقد ظل الشيخ سعيد ملا محتفظا برباطة جأشه حتى آخر لحظة من حياته وتوجه إلى رئيس المحكمة العسكرية التي حكمت بإعدامه قائلا: سوف نـُصفـِّـي حسابنا يوم الحساب الأخير ، ثمَّ توجه إلى قائد الحملة العسكرية التي هزمته قائلا : يا أمير اللواء تعالى ودع غريمك ،  ثمَّ تقدم من منصة الإعدام وأمسك حبل المشنقة بيديه وساعد الجلاد في وضعه حول عنقه ، وما هي إلا لحظات حتى كان صوته يشقُّ عنان السماء مرددا بشموخ (لا إله إلا الله ، محمد رسول الله) ، وتدلى الجسد الطاهر على أبواب مسجد ديار بكر شاهد صدق على ما يكنه الأكراد من حب لدينهم ، وما قدموه من التضحيات  ومن القوافل المتتالية من الشهداء دفاعا عن دينهم .

ورغم أن أتاتورك حاول جاهدا أن يُبعد الصبغة الإسلامية عن ثورة الشيخ الشهيد سعيد ملا  باتهامه بأنه قام بالثورة من أجل إقامة دولة  كردية مستقلة عن تركيا ،  فإن الحقيقة التي لا يستطيع أتاتورك ولا غيره أن يحجبها تؤكد أن الشيخ سعيد ملا رحمه الله لم ينطلق في ثورته إلا من منطلق إسلامي بحت ،  وأن ثورته  كانت ثورة إسلامية جهادية  ، ولعل هذه الشهادة التي وردت في صفحة (269) في كتاب (اتاتورك منقذ تركيا وباني نهضتها الحديثة) تشكـِّـل أقوى دليل ، حيث يقول مؤلف الكتاب المحامي سليم الصويص حرفيا : (يَرُدُّ بعض المؤرخين أسباب فشل ثورة سعيد ملا الكردي إلى أن الشيخ سعيد قائد الثورة وزعيم الطريقة النقشبندية جعل المشاعر الدينية في مرتبة أعلى من الشعور القومي ، واهتم بمصير الخلافة أكثر من اهتمامه بمصير كردستان واستقلالها ) ، وتتحدث المراجع التركية عن القسوة التي اتسم بها أسلوب أتاتورك في القضاء على ثورة الشيخ سعيد ملا الكردي ، إذ لم يكتف بإعدام الرجال الذين شاركوا مشاركة فعلية في القتال ، بل عمد إلى نصب المشانق للأكراد بدون تمييز ، حتى بلغ عدد الذين أعدمهم في المناطق الكردية في تركيا ما يزيد على أربعين ألف مسلم كردي حسب بعض المصادر التركية  .

***********

شروح الصور
صورة رقم 1 :
في أقصى يمين الصورة يظهر الوزير السابق السيد وليد مثقال عصفور الذي تحدثت عنه في حلقة سابقة في سياق الحديث عن الوزراء الأكراد .
صورة رقم 2 :
الوزير غازي الشبيكات في أحد اللقاءات  .
صورة رقم3:
الوزير غازي الشبيكات يتفقد معرضا لوسائل الوقاية من حوادث العمل .