وزراء العشائر والعائلات الكرديـــة (1)
* أمير اللواء رشيد عبد الكريم المدفعي ، العراقي الأصل ، السلطي الإقامة ، أول وزيركردي في الحكومات الأردنية .
* أوَّل قدوم للأكراد إلى بلاد الشام كان في سنة 424 هجرية .
* أوسع هجرات الأكراد إلى بلاد الشام كانت في عهدي نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي .
* الأكراد أدُّوا دورا مجيدا في هزيمة جيوش الفرنجة على فلسطين وبلاد العرب .
* أسكن صلاح الدين فرقة من جيشه من (الأكراد الهكارية) في مدينة السلط ، وعُـرفت الحارة التي سكنوها في السلط باسمهم (محلة الأكراد) .
**********
تنـــــويــــه
سأتحدَّث بمعونة الله عزَّ وجلَّ في هذه الحلقة ، وفي حلقات متتابعة لاحقة عن وزراء العشائر والعائلات الكردية وعن جذورها حسب تواريخ مشاركتهم في الحكومات الأردنية ، وأهيب بالمعنيين من السادة الوزراء الذين أسأل الله أن يطيل في أعمارهم ويمتعهم بالصحة والعافية ، ومن عائلات الوزراء الذين انتقلوا إلى رحمة الله عزَّ وجلَّ أن يتلطفوا بمتابعة الحلقات وتزويدي بملاحظاتهم وتعقيباتهم وتصويباتهم وإضافاتهم بعد الإنتهاء من نشر جميع الحلقات ، كما أهيب بهم أن يتلطفوا بتزويدي بصور شخصية وعامة للوزراء المعنيين لنشرها مع الدراسة ، راجيا أن يتم تزويدي بها على بريدي الإلكتروني : Ziad_1937@yahoo.com
********
الوزراء الأكراد حسب تاريخ
مشاركتهم في الحكومة
1) رشيد عبد الكريم المدفعي (7 /8/1939 م ـ مرة واحدة)
2) سعد محمد جمعه الأيوبي (23/4/1967م ـ مرَّتان رئيسا للحكومة)
3) يوسف مصطفى ذهني الكردي (26/5/1973 م ـ مرَّة واحدة)
4) صلاح محمد جمعه الأيوبي (8/2/1976م ـ ثلاث مرَّات)
5) وليد مثقال عصفور(28/8/1980 م ـ مرَّتان)
6) سعد الدين محمد جمعه الأيولي (19/3/1997م ـ مرَّة واحدة)
7) أشرف علي سيدو الكوراني الكردي (19/3/1997 م ـ مرَّة واحدة)
8) محمد مثقال عصفور (4/3/1999 م ـ مرَّة واحدة)
9) إسحق مرقة (4/3/1999 م ـ مرَّة واحدة) (حسب رواية تنسب الدكتور إسحق مرقة إلى أصول كردية ، وهناك رواية أخرى تنسبه إلى فرع عشيرة الحمامرة في الخليل ـ آل الحمُّـوري)
10) عمر أشرف علي سيدو الكوراني الكردي (27/11/2005 م ـ مرَّة واحدة)
*******
رشيد عبد الكريم المدفعي
يُعتبرأمير اللواء رشيد عبد الكريم المدفعي العراقي الأصل السلطي الإقامة أول وزير من العشائر والعائلات الكردية في الحكومات الأردنية حيث شغل منصب وزير الداخلية والدفاع في حكومة الرئيس توفيق أبو الهدى التاجي الفاروقي المشكـَّـلة في 7 / 8 / 1939 .
ويتحدَّث كتاب (أحسن الربط لتراجم رجالات من السلط) للدكتور هاني العمد أن الوزير رشيد عبد الكريم المدفعي الذي ينتمي لعشيرة آل المدفعي الكردية العراقية من مواليد بغداد في عام 1882 ، وتلقى دراسته في المدرسة الرشدية العسكرية مدة أربع سنوات ، ثم أمضى ثلاث سنوات في المدرسة الإعدادية ، و مثلها في دار الهندسة البرية السلطانية في استنبول ، حيث تخرج منها ضابط مدفعية برتبة ملازم ثان ، وخدم في الجيش العثماني بهذه الرتبة مدة ثلاث سنوات 1903-1905 ، وبرتبة ملازم أول من 1905-1910، وبرتبة يوزباشي (قائد لمئة جندي باللغة التركية) من 1910-1915، وكان يتقن اللغتين التركية و الفرنسية ، إلى جانب العربية والكردية ، وحارب الإنجليز في جبهة العراق وجرح في معركة كوت العمارة ، وبعدما شفي تطوع للخدمة في جيش الثورة العربية الكبرى فانتقل من العراق إلى مصر ومنها إلى الحجاز في أيلول 916 ، وفي الحجاز التحق بجيش الأمير علي بن الحسين بن علي وعين قائدا للكتيبة الثانية وشارك في القتال وأبدى بسالة ثم التحق بجيش الامير فيصل لينتقل بعد ذلك إلى العقبة على رأس قوة من الجيش النظامي أواخر تموز 1917 ، و في ميدان شرقي الأردن خاضت قوات الثورة معارك شارك فيها المدفعي وعـُيـِّـن على إثرها قائدا للفرقة الثانية التي اتخذت من عمَّـان مركزا لقيادتها ، كما عـُيـِّـن حاكما عسكريا لمنطقة عمان – معان ، وفي عام 1919 انتقلت القيادة إلى درعا ، وعندما ألغيت تلك القيادة عين قائدا لمنطقة عمان مع ترقيته إلى رتبة أمير لواء .
وعندما جاء الامير عبد الله من الحجاز إلى معان وانتقل إلى عمان في آذار 1921 كان رشيد المدفعي في طليعة مستقبليه ، وعـُيـِّـن حاكما إداريا للواء البلقاء في 22 نيسان1921 ، ثم انتقل للأمن العام في 11ايار 1923 ، ثمَّ حاكما إداريا للواء الكرك في أواخر 1923 فحاكما إداريا للواء عجلون في 1925 ، وبعد ذلك نقل إلى معان وبقي فيها إلى أن عـُيـِّـن محافظا للعاصمة في نيسان 1928 فمتصرفا للواء البلقاء ، وبقي في هذا المنصب إلى ان انهيت خدمته في أول حزيران 1930 ، واستقرَّ في السلط مع بعض أقربائه من آل المدفعي الذين قدموا إلى الأردن .
وفي 7/8/ 1939 عين وزيرا للداخلية والدفاع في وزارة الرئيس توفيق أبو الهدى ، وقد منحه الأمير المؤسِّـس عبد الله بن الحسين وسام الاستقلال العالي الشأن من الدرجة الاولى ، وقد وصفه (كتاب وجوه و ملامح – تأليف سليمان الموسى – الصفحة 19-21) بأنه كان حازما ، وصاحب إرادة صلبة ، وحسن الإدارة ويحترمه الجميع ، وتوفي في 22 شباط 1946 في السلط ودفن فيها .
وتجدر الإشارة إلى أن كريمة الوزير رشيد المدفعي الإعلامية مديحة المدفعي كانت أول إمرأة أردنية تقتحم ميدان العمل الإذاعي في بدايات الخمسينيات من القرن العشرين المنصرم ، حيث كانت لفترة طويلة المذيعة الأولى في إذاعة لندن الناطقة باللغة العربية .
وكان للعديد من رجالات عشيرة آل المدفعي الكردية العراقية حضور في الحياة السياسية على الساحة العراقية ، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر السيد جميل المدفعي الذي شغل منصب وزير الداخلية في حكومة الرئيس علي جودت الأيوبي ، ثمَّ شكـَّـل حكومة برئاسته في 4/3/1937 .
الأكراد في بلاد الشام
قبل نجاح المستعمرين الإنجليز والفرنسيين في شرذمة الوطن العربي وتقسيمه إلى دويلات متفرقة في بدايات القرن العشرين المنصرم بموجب إتفاقية سايكس – بيكو البريطانية الفرنسية المشؤومة بعد إلحاقهم الهزيمة للدولة العثمانية بمساعدة العرب الذين انخدعوا بوعود الإنجليز والفرنسيين بمساعدتهم في التحرر من الأتراك وتمكينهم من إقامة دولة عربية توحِّد البلدان العربية ، كانت بلاد الشام على مدى القرون التي سبقت جريمة سايكس - بيكو تشمل سوريا الطبيعية بجناحيها الشمالي سوريا الشمالية (سوريا ، لبنان) وبجناحها الجنوبي سوريا الجنوبية (الأردن ، فلسطين) .
ويذكر كتاب (عشائر الشام) لمؤلفه المؤرِّخ أحمد وصفي زكريا أن أول موجة قدوم للأكراد إلى بلاد الشام كانت في سنة 424 هجرية عندما استقدم عامل حمص شبل الدولة نصر بن مرداس مجموعة من الأكراد (الأرجح من الأناضول التركي) ، وأنزلهم في حصن الصفح في قضاء تلكلخ في محافظة اللاذقية بسوريا ، وأناط بهم مهمة حماية الطريق الموصلة بين حمص وطرابلس الشام ، ولم يلبث أن أصبح الحصن يُعرف بإسم حصن الأكراد ، وقد استقرَّ الأكراد في الحصن قرنا ونيفا إلى أن استولى عليه الصليبيون في سنة 530 هجرية ، فتفرَّق الأكراد في مناطق مختلفة من بلاد الشام وخاصة في شمال سوريا على مقربة من الحدود السورية التركية .
وفي عهد الدولتين النورية (نور الدين زنكي / الكردي) والصلاحية (صلاح الدين الأيوبي / الكردي) توافدت جماعات جديدة من الأكراد إلى بلاد الشام للمشاركة في التصدِّي للحملات الصليبية ، وشاركوا في جيش تحرير بيت المقدس الذي قاده البطل المسلم الكردي صلاح الدين الأيوبي ، وبعد أن انتهت المعارك عادت بعض المجموعات من الأكراد إلى مواطنها التي جاءت منها ، واستقرَّت مجموعات في بلاد الشام وتوزَّعوا على مناطق مختلفة في سوريا ولبنان وفلسطين والأردن .
وعندما نجح مصطفى كمال أتاتورك في تنفيذ المخطط اليهودي المدعوم غربياً وصهيونيا للقضاء على الدولة العثمانية وإلغاء الخلافة الإسلامية في أواخر العقد الثاني من القرن العشرين المنصرم ، كان الأكراد في طليعة الذين تصدُّوا لأتاتورك دفاعاً عن الهوية الإسلامية لتركيا ودفاعا عن راية الخلافة الإسلامية ، فقاموا بعدة ثورات مسلحة كان من أشهرها وأعنفها ثورة الشيخ سعيد ملا الكردي في مدينة ديار بكر عاصمة الأناضول التركي التي أعلنها في الخامس من شهر شباط من عام 1925م ، ولكن أتاتورك تمكن من سحق ثورة الشيخ سعيد الكردي وقام بإعدام الشيخ والمئات من أنصاره في ميدان ديار بكر الرئيسي ، ويروي الكاتب المفكر العروبي المحامي سليم صويص في كتابه (أتاتورك منقذ تركيا) أن الشيخ سعيد ملا الكردي بقي محتفظاً برباطة جأشه سواء أثناء المحاكمة أو عندما سيق إلى منصة الإعدام ، وتروي المراجع التركية أن الشيخ الكردي ساعد جلاده في لف حبل المشنقة حول عنقه وهو يهتف بأعلى صوته: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وظل يكررها حتى لفظ أنفاسه الطاهرة .
وقد شهدت تلك الحقبة التي أعقبت القضاء على ثورة الأكراد ضد أتاتورك موجة جديدة من هجرة أكراد تركيا إلى بلاد الشام هرباً من بطش أتاتورك وملاحقته للأكراد عامة ولأنصار الشيخ الكردي بشكل خاص ، وتوزَّعوا في مناطق مختلفة من سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، وكان ممن اختار الاستقرار في الأردن وفي العاصمة عمان تحديداً الشاعر الكردي الشهير الشيخ أمين بروسك الذي كان في خمسينيات القرن العشرين المنصرم من أبرز نشطاء وقيادات الحركة الإسلامية في الأردن .
الأكــراد في الأردن
يذكر كتاب (الأكراد الأردنيون ودورهم في بناء الأردن الحديث) لمؤلفه الدكتور محمد علي الصويركي أن المصادر التاريخية تشير إلى أن استقرار الكرد في الأردن بدأ منذ بدايات الدولة الأيوبية التي أسسها القائد الكردي الشهير صلاح الدين الأيوبي سنة 1173 م ، وقد شكـَّـل الكرد عماد جيشه وقدموا من كردستان إلى الشام ومصر بدافع الجهاد ونصرة الإسلام ضد الغزو الصليبي ، وقد أصبحت شرقي الأردن أحد ميادين الصراع الأيوبي- الصليبي ، إذ كانت قوات صلاح الدين ترابط في شرقي الأردن وكان معسكر جيشه الرئيس في منطقة الخربة السمرا في شمال الأردن ، وحاصرت قواته قلاع الإفرنج في الكرك والشوبك ، كما انطلق بقواته من شمال الأردن لمهاجمة مواقع الإفرنج في شمالي فلسطين ووسطها في كوكب الهوى ونابلس والقدس ، كما شيد صلاح الدين (قلعة عجلون) على قمة جبل لمراقبة تحركات الإفرنجة في الغور الأردني ، وأسكن صلاح الدين فرقة من جيشه من (الأكراد الهكارية) في مدينة السلط ، ولعبت هذه الفرقة دوراً بارزاً في الحروب الصليبية ما بين سنوات (1177 – 1189م)، ودعيت الحارة التي سكنوها في السلط باسمهم (محلة الأكراد) ، وتنسب العديد من عشائر السلط (من حيث مكان الإقامة) إلى محلة الأكراد ، وما تزال محلة أو حارة الأكراد تشكـِّـل رمزاً معروفا كأحد أقسام مدينة السلط الجغرافية والتاريخية والعشائرية منذ العصر الأيوبي وحتى يومنا هذا ، ولم يمر بالسلط رحالة عربي أو أجنبي إلا وذكر (محلة الأكراد) وعشائرها ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ذكر الرحالة السويسري بيركهارت الذي زارها سنة 1812 بان مسلمي السلط يتألفون من ثلاث عشائر: الكرد ، القطيشات ، العواملة (من حيث مكان الإقامة وليس بمعنى صلة القرابة) ، كما أشار الباحث الدكتور جورج طريف في كتابه (السلط وجوارها) أن المسلمين شكـَّـلوا غالبية سكان السلط، وكان من بينهم الكرد خلال الفترة الممتدة ما بين 1864 – 1921 م ، ونبغ من الكرد الهكاريين المقيمين في السلط عدة علماء وقضاة ، كان في طليعتهم عبد الله الهكاري الصلتي (نسبة إلى الصلت- التي حرفت فيما بعد إلى السلط) ، وابنه بدر الدين الصلتي ، وقد درس الاثنان في المدرسة السيفية في السلط ، كما عمل بدر الدين قاضياً في السلط ، والقدس، ودمشق، وحمص التي توفي فيها سنة 1384 م .
وانتقل بعض الكرد الهكاريين من مدينة السلط إلى القدس في العهد المملوكي ، وتجمَّـعوا في حارة خاصة بهم هناك عرفت باسم (حارة السلطية)، نسبة إلى السلط التي قدموا منها ، وتولى العديد من علمائهم الإمامة والخطابة في المسجد الأقصى المبارك ، ويعرفون اليوم في القدس بعائلة الإمام .
وخلال العصر الأيوبي أسس الملك الناصر داود الأيوبي (توفي 1258) ما عرف بإمارة الكرك الأيوبية سنة 1229 م، ودامت نحو ثمانين عاماً ، وكانت تقوم على البقعة الحالية التي تقوم عليها المملكة الأردنية الهاشمية اليوم ، واستطاع الناصر داوود الأيوبي منازلة الصليبيين وتحرير القدس من قبضتهم مرة ثانية سنة 1239 م ، كما شجـَّع الناصر داوود الحركة العلمية والثقافية في الأردن ، فبنى المدارس ، وصارت الكرك قبلة الفقهاء والعلماء ، ومهدت السبل لنبوغ عشرات الإعلام من المنطقة في العصرين الأيوبي والمملوكي ، كعائشة الباعونية، وابن القف الكركي وسواهم من الأعلام ، كما ترك الأيوبيون الكرد في الأردن معالم أثرية بارزة كقلعة عجلون وقلعة السلط (دمرت سنة 1840) ، والمسجد الجامع بعجلون ، ومسجد ريمون في جرش ، وهذه المعالم الأثرية والدينية تدل على صدق جهادهم ضد الإفرنجة ، وعلى حبهم للدين وللعلم .
وفي العهد العثماني (1516 –1918)، تشير السجلات العثمانية لسنة 1538 م ولسنة 1596م إلى وجود محلة للكرد في السلط مما يؤكد على استمرار استقرار الكرد في المنطقة رغم هجرة بعض كرد السلط الهكاريين إلى مدينة القدس في تلك الفترة ، أو في فترة لاحقة .
وفي الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي بدأ الأكراد (الكرد) يتوافدون إلى المدن والقرى الأردنية بشكل ملفت للنظر وقد شجـَّـعهم على ذلك نجاح الدولة العثمانية في بسط سيطرتها الإدارية والعسكرية على المنطقة ، مما حسن طرق المواصلات ، وأشاع الأمن والنظام ، وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من رجال الدرك والجند والموظفين الإداريين وجباة الأموال المرابطين في المدن والمخافر الأردنية كانوا من الأكراد ، وكان معظم هؤلاء قد قدموا من حي الأكراد (الكرد) بدمشق ، أو من مدينة حلب ومنطقة الجزيرة وماردين وديار بكر ، وقد اشتهر الموظفون الكرد في الأردن في جباية الأموال الأميرية ، والتزام الأعشار كما تشير الدكتورة هند أبو الشعر النمري في كتابها (اربد وجوارها) حيث تذكر أن الجندية والدرك وتحصيل الأموال في العهد العثماني ارتبط بذاكرة الأردنيين بالعنصر الكردي .
وبالإضافة إلى الجندية والدرك، عمل الكثير من الكرد في الوظائف الإدارية والحكومية في مراكز الألوية والأقضية في كل من عجلون والبلقاء والكرك ومعان ، كما تزوجت الكثير من الكرديات من حي الكرد (الصالحية) بدمشق من مواطنين أردنيين ، حسبما أشارت الى ذلك السجلات الشرعية العثمانية في إربد وعجلون وعمان وغيرها ، وازدهرت الحركة التجارية بين الشام ومدن وبوادي الأردن في أواخر العهد العثماني ، فقدم الكثير من التجار الشوام والذين كان من بينهم (تجار أكراد) من حي الصالحية بدمشق ، وتوطن عدد منهم في المدن الأردنية واستقرُّوا بها لإدارة تجارتهم وتيسير مصالحهم ، وبعد هزيمة الأتراك سنة 1918 م عاد البعض من الموظفين والجند الكرد إلى بلادهم ، وفضـَّـل بعضهم الاستقرار في العديد من المدن والقرى الأردنية واتخذوها موطنا وسكناً .
وقد ساهم أكراد الأردن في بناء وتأسيس الأردن الحديث فقد كان بين المستقبلين لسمو الأمير عبد الله بن الحســين يوم قدومه إلى معان عام 1920الضابطان الكرديان (خليل بكر ظاظا) و(نور الدين البرزنجي) ، وعندما قدم الأمير عبد الله إلى عمَّـان كان الوجيه سيدو علي الكوراني الكردي وعلي الكردي من ضمن مستقبليه ، ومعهم الزعيم الكردي العراقي رشيد المدفعي الذي كان من كبار قادة الثورة العربية الكبرى ، وعندما شرع الأمير عبد الله بن الحسين في تأسيس الجيش الأردني كان من بين مؤسِّسي الجيش والدرك ضباط من أصل كردي أمثال الرئيس خليل بكر ظاظا والرئيس نظمي خليل بدر خان ، والضابط مصطفى المـِـلي، والزعيم رشيد المدفعي بالإضافة إلى العديد من الكرد الذين خدموا في الجيش والدرك والشرطة برتب متنوعة طيلة عهد الإمارة الأردنية ومن ثم المملكة .
واشتهر من رجال الإدارة من الأكراد محمد طاهر أفندي بدرخان الذي كان رئيسا لمجلس قضاء السلط في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، ومحمد عطاء الله أفندي الأيوبي قائمقام قضاء السلط عام 1909، ومحمد سعيد شمس الدين متصرف لواء السلط (1868 – 1872) ، وعلي سيدو الكردي الذي أدخل أول دراجة هوائية إلى الأردن عام 1920م ، وعبد الرحمن الكردي مؤسِّس أول دار نشر في الأردن وناشر مجلة (الأردن الجديد) عام 1950، وخير الدين الزركلي مؤلف كتاب الأعلام ، وكان إسماعيل الكردي من رواد الحركة السينمائية في الأردن حيث أسس سينما دنيا والبتراء وزهران في مطلع الخمسينات ، والشهيد الطيار بدر الدين ظاظا ، وعلي الكردي مؤسس فندق الملك غازي في الثلاثينات ، والمصرفي حسني سيدو الكردي مؤسِّس بنك الأردن وخلفه في إدارته نجله مصطفى سيدو الكردي ، وتدير السيدة ملك بدر خان مزرعة رائدة في شمال الأردن مساحتها ألف دونم ، وللرياضة عند الأكراد عائلات متخصصة ، مثل أبناء درويش مصطفى العشرة الذين احترفوا لعبة كرة الطاولة على مدى أربعة عقود ، ومثلوا الأردن في مباريات دولية ، وتعود مشاركة بعضهم في كرة القدم إلى العشرينات ، وينسب إلى علي سيدو الكردي أنه أدخل أول دراجة إلى الأردن عام 1920.
وكان الأكراد يشكلون نسبة عالية في الجيش والدرك التركي المنتشر في مراكز شرق الأردن ، وقد استقر الكثير منهم بالطبع بعد ذلك في الأردن ، ومن العائلات الكردية في الأردن التي تحمل أسماء تدل على كرديتها عائلات : الأيوبي ، زيباري ، الكردي ، سيدو الكردي ، بابان ، الرشواني ، الشيخاني ، البرازي ، جلعو ، بدرخان ، الكيكي ، آل رشي ، ظاظا ، بكداش ، سعدون ، هشلمون ، القيمري ، نيروخ ، وغيرهم كثير، وبعض العائلات الكردية تنسب إلى بلدها الأصلي ، مثل دياربكرلي، وسويركي، وأروفلي ، والمارديني ، إلخ .
(في الحلقة القادمة بإذن الله : الرئيس سعد محمد جمعه الأيوبي ، ونبذة عن جذور الأكراد من دراسة للباحث عدنان علي خضر الكردي) .
***********
من بريدي الإلكتروني
الأستاذ زيــاد أبو غنيمة المحترم
تحية طيبة وبعد،
أشير إلى ما أوردتموه عن عشائر المساعيد وذكركم للعالم الأزهري/ مفتي فلسطين الشيخ الجليل مشهور بن الأمير ضامن بن الأمير بركات بن الأمير محمد أبو الفيته (لفيته) بن الأمير خليل بن الأمير بركات المسعودي، ويسرني أن أنقل إليكم رواية كنت سمعتها قبل أكثر من خمسين سنة عن الأمير أبو الفيته (لفيته) الذي لم يتمكن عندها أحد من العوارف أن يعطيني معلومات أكيدة عنه وقد أوضحت مداخلاتكم أنه أحد أمراء هذه العائلة الكريمة الذي على الأرجح عاش في مطلع القرن التاسع عشر وكان كرمه سبباً في قول أحد الشعراء قصيدة في مدحه لم يصلني منها سوى بيتين حيث يقول:
يا أبو الفيته جابني كبر صيتك وردت ذلولي عمشارع فصايل
يا ما أكثر الخـُطــَّـار في ظل بيتك جاك الخبر ما شافت العين زايل
وإنني آمل أن يصلك من أحد القراء الكرام نص القصيدة كاملاً بالإضافة إلى معلومات عن هذا الأمير الكريم .
مع أصدق التمنيات ووافر التقدير
الدكتور رؤوف أبو جابر
************
شرح الصور
صورة رقم 1 :
الشاعر الكردي أمين بروسك (الأول من اليمين في الصف الأول) في صورة تجمع أعضاء أعضاء اللجنة الأردنية العليا لدعم الثورة الجزائرية مع ممثل الثورة الجزائرية في الأردن الأستاذ عبد الرحمن العقون ، ويظهر في الصورة الحاج عبد اللطيف أبو قورة والنائب الأستاذ محمد عبد الحمن خليفة والوزير/ النائب ضيف الله الحمود والحاج محمد علي بدير والنائب الشيخ عبد الباقي جمو والأستاذ جميل بركات والحاج أحمد غنيم .